وفيه نظر ؛ لأنّ التفرّق ليس عدما ، بل المراد الإعدام وإزالة الاتّصال ، وإن كان في العبارة مسامحة.
ولو سلّم فليس عدما محضا ، فجاز التعليل به.
على أنّ التفرّق إنّما كان علّة بالعرض ، فإنّ العلّة بالذات هي سوء المزاج.
الثاني : سوء المزاج المختلف ؛ لأنّ سوء المزاج المتّفق لا يقتضي التألّم.
بيان ذلك : أنّ سوء المزاج قسمان : متّفق ؛ ومختلف.
فالمتّفق مزاج غير طبيعي يرد عليه ولا يبطله ، بل يزيده ويتمكّن فيه بحيث يصير كأنّه المزاج الطبيعي.
والمختلف مزاج غير طبيعيّ يرد عليه ويبطله ولكن يخرجه عن الاعتدال ، وهو المؤلم دون الأوّل ؛ ولهذا يجد صاحب الغبّ [١] التهابا منافرا لا يجده المدقوق.
وممّا ذكرنا يظهر اندفاع ما حكي عن الإمام الرازي [٢] من إنكار كون الألم بسبب تفرّق الاتّصال تمسّكا بأنّ من قطع يده بسكّين حديد في غاية الغاية لم يحسّ الألم إلاّ بعد زمان ، وأنّ الغذاء إذا صار جزءا من المغتذي يفرّق اتّصال أجزائه.
قال : ( وكلّ واحد منهما : حسّيّ ، وعقليّ وهو أقوى ).
أقول : يريد قسمة اللذّة والألم بالنسبة إلى الحسّ والعقل ، وذلك أنّ جماعة [٣] أنكروا العقليّ منهما.
والحقّ خلافه ؛ لأنّا نلتذّ بالمعارف ، وهي لذّات عقليّة لا تعلّق للحسّ بها ، ونتألّم بفقدانها ، بل هذه اللذّة أقوى من اللذّة الحسّيّة ؛ ولهذا يترك اللذّة الحسّيّة لأجل اللذّة الوهميّة ، فكيف العقليّة.
[١] أي صاحب الحمّى التي تجيء يوما وتذهب يوما. [٢] انظر : « المباحث المشرقيّة » ١ : ٥١٥ ـ ٥١٦. [٣] نسبه في « الإشارات والتنبيهات » إلى الأوهام العامّيّة ، كما في « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٣٣٤ ، ونسبه في « شوارق الإلهام » : ٤٤٥ إلى من هو من أهل الظاهر.