وأيضا فإنّ الحسّ إنّما يدرك ظواهر الأجسام ولا تعلّق له بالأمور الكلّيّة ، والعقل يدرك باطن الشيء ويميّز الذاتيّات والعوارض ، ويفرّق بين الجنس والفصل ، ويكون إدراكه أتمّ فتكون اللذّة فيه أقوى ؛ ولهذا يترك الطلاّب المستلذّات الحسّية الجسميّة بالمطالعة ، ويقول من أدرك مسألة عالية غامضة جليلة : « أين أبناء الملوك تلذّ هذه اللذّة » [١].
المسألة الخامسة والعشرون : في الإرادة والكراهة.
قال : ( ومنها : الإرادة والكراهة ، وهما نوعان من العلم ).
أقول : من الكيفيّات النفسانيّة الإرادة والكراهة ، وهما ـ عند جماعة ، كالمصنّف وكثير من المعتزلة [٢] ـ نوعان من العلم بالمعنى الأعمّ ، وهو الاعتقاد الراجح ؛ وذلك لأنّ الإرادة عبارة عن اعتقاد النفع بسبب قطعه أو ظنّه بما في الفعل من المصلحة ، والكراهة اعتقاد الضرر بسبب اعتقاد ما فيه من المفسدة.
وقال آخرون [٣] : إنّ الإرادة والكراهة زائدتان على هذا العلم مرتّبتان عليه ؛ إذ الإرادة ميل يتعقّب اعتقاد النفع ، والكراهة انقباض يتعقّب اعتقاد الضرر ؛ لأنّا كثيرا ما نعتقد نفعا في شيء ولا نريده.
وعن الأشاعرة [٤] أنّ الإرادة قد توجد بدون اعتقاد النفع أو ميل يتبعه ، كما في
[١] نقله في « آداب المتعلّمين » ضمن « جامع المقدّمات » ٢ : ٥٦ عن محمّد بن الحسن الطوسي. [٢] نقله عنهم في « مناهج اليقين » : ١٧١ ؛ « شرح المواقف » ٦ : ٦٤ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٧٩ ؛ « شوارق الإلهام » : ٤٤٦. [٣] أي من المعتزلة ، الذين منهم عبد الجبّار في « المغني » ٦ : ٨ ـ ٣٠ و « شرح الأصول الخمسة » ، ونقل عن غيره من المعتزلة في « مناهج اليقين » : ١٧١ ؛ « شرح المواقف » ٦ : ٦٤ ـ ٦٥ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٢٨ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٧٧ ؛ « شوارق الإلهام » : ٢٧٧ ، ونقل الفخر ذلك عن الفلاسفة في « المطالب العالية » ٣ : ١٧٥. [٤] « المطالب العالية » ٣ : ١٧٥ ـ ١٧٨ ؛ « شرح المواقف » ٦ : ٦٧ ـ ٧٠ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٧٩ ؛ « شوارق الإلهام » : ٤٤٦.