الْمَأْمُونَ رَكِبَ يَوْماً لِلصَّيْدِ فَمَرَّ بِبَعْضِ أَزِقَّةِ بَغْدَادَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَطْفَالِ فَخَافُوا وَ هَرَبُوا وَ تَفَرَّقُوا وَ بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فِي مَكَانِهِ فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ وَ قَالَ لَهُ كَيْفَ لَمْ تَهْرُبْ كَمَا هَرَبَ أَصْحَابُكَ فَقَالَ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَيْسَ ضَيِّقاً فَيَتَّسِعَ بِذَهَابِي وَ لَا لِي عِنْدَكَ ذَنْبٌ فَأَخَافَكَ لِأَجْلِهِ فَلِأَيِّ شَيْءٍ أَهْرُبُ فَأُعْجِبَ مِنْ كَلَامِهِ الْمَأْمُونُ فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى خَارِجِ بَغْدَادَ أَرْسَلَ صَقْرَهُ فَارْتَفَعَ فِي الْهَوَاءِ وَ لَمْ يَسْقُطْ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى رَجَعَ وَ فِي مِنْقَارِهِ سَمَكَةٌ صَغِيرَةٌ فَتَعَجَّبَ الْمَأْمُونُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمَّا رَجَعَ تَفَرَّقَ الْأَطْفَالُ وَ هَرَبُوا إِلَّا ذَلِكَ الطِّفْلَ فَإِنَّهُ بَقِيَ فِي مَكَانِهِ كَمَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ وَ هُوَ ضَامٌّ كَفَّهُ عَلَى السَّمَكَةِ وَ قَالَ لَهُ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ فِي يَدِي فَقَالَ ع إِنَّ الْغَيْمَ حِينَ يَأْخُذُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ يُدَاخِلُهُ سَمَكٌ صِغَارٌ فَتَسْقُطُ مِنْهُ فَتَصْطَادُهَا صُقُورُ الْمَلِكِ فَيَمْتَحِنُونَ بِهَا سُلَالَةَ النُّبُوَّةِ فَأَدْهَشَ ذَلِكَ الْمَأْمُونَ وَ قَالَ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَقَالَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرِّضَا.
وَ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ وَاقِعَةِ الرِّضَا ع وَ كَانَ عُمُرُهُ ع فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً وَ قِيلَ عَشْراً فَنَزَلَ الْمَأْمُونُ عَنْ فَرَسِهِ وَ قَبَّلَ رَأْسَهُ وَ تَذَلَّلَ لَهُ ثُمَّ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ.
و امتحن فعضدته بالتوفيق و الصواب عضدته بالعين