وأمَّا الضعيف ؛ فذهبَ الأكثر إلى منع العمل به مُطلقاً ؛ للأمر بالتثبُّت عندَ إخبارِ الفاسق المُوجبِ لردِّهِ.
وأجازَهُ آخرون ـ وهُم جماعةٌ كثيرةٌ: منهم مَن ذكرناه ـ مع اعتضادِه بالشّهرة روايةً ؛ بأن يكثر تدوينها وروايتها: بلفظٍ واحدٍ ، أو ألفاظٍ متغايرةٍ متقاربة المعنى ، أو فتوىً بمضمونها في كتب الفقه ؛ لقوَّة الظنّ بصدق الرّاوي في جانبها ـ أي جانب الشّهرة ـ وإن ضعُفَ الطريقُ ؛ فإنَّ الطريقَ الضعيفَ ، قد يثبُتُ بهِ الخبرُ مع اشتهارِ مضمونِهِ ؛ كما تُعلَمُ مذاهبُ الفِرَقِ الإسلاميَّة ـ كقول: أبي حنيفة[2] ، والشافعيِّ[3] ، ومالك[4] ، و أحمد ـ بإخبار أهلها ـ مع الحكم بضعفهم عندَنا ـ وإن لم يبلغوا حدَّ التواتر.
وبهذا اعتُذر للشيخ (رحمه الله) في عمَله بالخبر الضّعيفِ.
وهذهِ ، حجّةُ مَنْ عمِلَ بالموثّق أيضاً ، بطريقٍ أولى.
وفيه نظرٌ ، يخرج تحريره عن وضع الرسالة ؛ فإنَّها مبنيةٌ على الاختصار ، ووجهُهُ على وجه الإيجاز: إنَّا نمنع من كون هذه الشُّهرة التي ادّعوها مؤثِّرةً في جبر الخبر الضّعيف ؛ فإنَّ هذا إنّما يتمّ لو كانت الشّهرة متحقّقةٌ قبلَ زمنِ الشيخ (رحمه الله) ، والأمرُ ليس كذلك ؛ فإنَّ مَنْ قبله من العلماء كانوا بينَ مانع من خبر الواحد مُطلقاً ـ كالمرتضى والأكثر ، على ما نقله جماعة ـ وبين جامع للأحاديث ، من غير التفات إلى تصحيح ما يصحُّ ، وردِّ ما يُرَدُّ . وكانَ البحثُ عن الفتوى مُجرَّدةً ـ لغيرِ الفريقين ـ قليلاً جداً كما لا يخفَى على مَن اطّلعَ على حالِهِم.
[1] الذي في النسخة الخطِّـيَّة المعتمدة (ورقة 17 ، لوحة ب ، سطر 6): (الحقل الرابع: في العمل بالخبر الضعيف) غير موجود.
[2] النعمان بن ثابت: 80 ـ 150هـ ، ... . ينظر: الأعلام: 9/ 4 ـ 5.
[3] محمد بن إدريس: 150 ـ 204هـ ، ... . ينظر: الأعلام: 6/ 249 ـ 250.
[4] مالك بن أنس: 93 ـ 179 ، ... . ينظر: الأعلام: 6/ 128.
نام کتاب : شرح البداية في علم الدراية نویسنده : الشهيد الثاني جلد : 1 صفحه : 94