و كذلك نقل عن أبي حنيفة الكفاية ب«تفاوضنا» أو «اشتركنا شركة المفاوضة». [1]
و مبدأ الاشتقاق في «تفاوضنا» العقد الخاصّ المسمّى بالمفاوضة.
ثمّ إنّ الظاهر أنّ الشركة اسم المصدر، و المصدر هو الاشتراك كالغسل و الاغتسال.
فقول القائل: «اشتركناه» معناه: أذنت للشريك في العمل في هذا المال الممزج بأن يأذن هو أيضا في ذلك، و يقول الآخر أيضا: «اشتركنا» بهذا المعنى. و الحاصل من المجموع هو الشركة الّتي هي اسم المصدر، و على هذا، فلا بدّ من ذكر المتعلّق في «اشتركناه» مثل أن يقولا: «في هذا المال» بخلاف «تفاوضنا» لأنّ نفس المفاوضة مبدأ مستقلّ. يعني «بنينا على أن يكون كلّ غنم و غرم لنا و علينا بيننا».
و أمّا «تعاوضنا» بالمعنى المبحوث عنه: فلا بدّ فيه أيضا من ذكر المتعلّق، و لا بدّ أن يكون مبدأ المعاوضة و التعويض بمعنى «جعلنا مالينا هذين كلّ واحد منهما عوضا عن الآخر و معوّضا» على الوجه الّذي تقدّمت الإشارة إليه.
و الحاصل أنّه يمكن قصد المعوضيّة و العوضيّة في كلّ من المالين مقصودا، و حينئذ نقول: إنّ عقود المعاوضات الّتي ذكرها الفقهاء جنس لم [2] تتحقّق فيه المعاوضة، سواء كان أحدهما عوضا و الآخر معوّضا كالبيع و الصلح الّذي فيه عوض، و الهبة المشروط فيها العوض، و ما كان كلّ من الطرفين عوضا و معوّضا.
فالمعاطاة إن وقعت غير مسبوقة بمساومة، بل إنّما حصلت بمحض الإعطاء و الأخذ، فهو نوع تراض و إباحة، و لا تدخل في العقود بمعنى العهود الموثّقة.
و إن وقعت بعد المساومة على قسم من أقسام المعاوضات، فهي تابعة له لكنها ليست لازمة؛ لعدم الإتيان بالصيغة [3] و لا تدخل في عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ[4].
[1]. نقله في تذكرة الفقهاء 2: 220 (الطبعة الحجرية).