فنقول: هذه المسألة متفرّعة على مسألة الشكّ في الأقلّ و الأكثر الارتباطيّين:
فإن قلنا هناك بجريان أصل البراءة فيها فكذلك هاهنا، كما هو الحقّ، و سيجيء بيانه.
و إن قلنا هناك بالاشتغال فكذلك هاهنا.
قال في «الكفاية»: لا مجال هاهنا إلّا لأصالة الاشتغال، و إن قلنا بأصالة البراءة في الأقلّ و الأكثر.
و حاصل ما أفاده في بيانه: هو أنّه لمّا كان للمأمور به مفهوم مبيَّن عندنا وجب الإتيان بكلّ ما يُحتمل دخله في المأمور به تحقّق الامتثال؛ ليحصل العلم بسقوط الغرض الذي هو علّة للإرادة و الإرادة علّة للأمر، فلا يعلم بسقوط التكليف و حصول الامتثال بدون ذلك، بخلاف مسألة الأقلّ و الأكثر، فإنّ متعلّق الأمر فيها مردّد بين الأقلّ و الأكثر، فيُؤخذ بالأقلّ، و يُنفى الأكثر بالأصل.
نعم يمكن أن يقال: إنّه كلّما يحتمل دخله بدواً في تحقّق الامتثال، و كان ممّا تغفل عنه العامّة غالباً، كان على الآمر بيانه و نصبُ قرينة على دخله واقعاً، و إلّا لأخلّ بما هو همّه و غرضه، و إذا لم ينصب على دخله قرينة كشف عن عدم دخله، و ذلك كقصد الوجه و التمييز [1] انتهى.
لكن لا يخفى ما فيه: فإنّ مقتضى ما ذكره عدم جريان البراءة في مسألة الأقلّ و الأكثر الارتباطيّين أيضاً؛ لأنّا نعلم فيها بوجود التكليف و ثبوت غرضٍ للمولى، و لا يحصل العلم بحصول الغرض و سقوط التكليف بالإتيان بالأقلّ، فعلى ما ذكره لا بدّ من الإتيان بالأكثر، و لا فرق فيما ذكره بين ما نحن فيه و بين مسألة الأقلّ و الأكثر، بل ما نحن فيه عين مسألة الأقلّ و الأكثر.
و التحقيق: جريان البراءة العقليّة فيهما؛ لأنّه إذا امر بالصلاة- مثلًا- و شُكّ في أنّ المطلوب هو طبيعة الصلاة، أو هي مع قيد آخر، و لم يبيّن الشارع وجوب القيد، يحكم