العقل بأنّ الواجب هو الطبيعة، و العقاب على الزائد عنها عقاب بلا بيان؛ لعدم قيام الحجّة عليه، فإن اريد بسقوط الأمر هو عدم وجوب متعلّق الأمر ثانياً، فما نحن فيه أيضاً كذلك و إن اريد به معنىً آخر فلا بدّ من بيانه حتّى ننظر فيه.
ثمّ إنّه لو فرض عدم جريان البراءة العقليّة فهل يجري فيه البراءة الشرعيّة أو لا؟ فهنا مباحث:
الأوّل: إذا فُرض إمكان أخذ قصد الأمر في متعلّقه فهل تجري البراءة الشرعيّة لو شُكّ فيه أو لا؟
الثاني: لو فرض عدم إمكان أخذه في الأمر الأوّل، لكن أمكن أخذه بأمرٍ ثانٍ فهل تجري فيه البراءة النقليّة لو شكّ فيه أو لا؟
الثالث: لو فرض عدم إمكان أخذه فيه لا في الأمر الأوّل و لا بالأمر الثاني، فهل تجري البراءة لو شكّ فيه أو لا؟
أمّا على الأوّل: فقد يقال إنّها لا تجري فيه؛ لأنّ ملاك جريان البراءة النقليّة:
هو ما لو كان المشكوك بحيث لو لم ينبِّهه عليه المولى لأخلّ بغرضه و كان ناقضاً له، و ما نحن فيه ليس كذلك؛ لأنّ القيد المذكور على فرض كونه مُراداً للمولى واقعاً، فعدم تنبيهه عليه لا يوجب الإخلال بفرضه؛ لكفاية حكم العقل بلزوم الإتيان به في صورة الشكّ، فلا يلزم من عدم البيان نقضه لغرضه، و ليس المُدّعى أنّ حكمَ العقل بلزوم الاحتياط بيان ينتفي معه موضوع البراءة النقليّة؛ ليلزم الدَّور، بل المُدّعى قصور دليل البراءة النقليّة عن شمول مثل هذا المورد و انصرافه عنه [1].
و الجواب: أنّ مورد البراءة و مجراها هو مثل هذا المقام؛ لأنّ المفروض أنّ الشارع قد حكم بالبراءة في مورد الشكّ، فإن لم يكن المشكوك واجباً واقعاً فلا كلام، و إن كان واجباً في الواقع فالحكم بالبراءة توسعة من الشارع، و تسهيل منه للمكلّفين