الآخر، و وجد فرد جديد من طبيعي اللّفظ، صار مرآةً للمعنى الآخر، فليس شخص واحد من اللّفظ مرآتين لمعنيين و لو في آنين، فالوضع يوجب سعة استعداد اللّفظ للحكاية عن معانٍ متعدّدة، لا أنّه يوجب فعلية الحكاية عنها، و إنّما تكون الحكاية فعليّة بنفس الاستعمال المقرون بالقرينة [1] انتهى.
و أنت خبير بعدم استقامة هذا الجواب على فرض تماميّة الاستدلال من سائر الجهات، فالأولى أن يقال في مقام الجواب:
إنّ الوضع عبارة عن تخصيص اللّفظ بالمعنى، كتخصيص طبيعة لفظ الإنسان بطبيعة الحيوان الناطق، فقول المستدلّ: إنّ الوضع عبارة عن جعل اللّفظ مرآةً للمعنى بنحو القضيّة الحقيقيّة، ممنوع.
أمّا أوّلًا: فلخروجه عن محلّ الكلام؛ إذ الكلام إنّما هو في وضع لفظٍ واحد لمعانٍ متعدّدة، لا وضع كلّ فردٍ من أفراد طبيعي اللّفظ لكلّ فردٍ من أفراد طبيعي المعنى، الذي يوجد في الخارج كما هو مقتضى كونه بنحو القضيّة الحقيقية.
و ثانياً: فلأنّ ما ذكره مستلزم لخصوص الوضع و الموضوع له في الألفاظ؛ لما ذكره من أنّه بنحو القضيّة الحقيقيّة، التي هي عبارة عن كلّ ما لو وجد و كان لفظاً لإنسان، فهو بحيث لو وجد كان موضوعاً لكلّ ما لو وجد في الخارج و كان معنىً و مصداقاً لطبيعة الحيوان الناطق، و المستدلّ مُعترف بفساده.
و ثالثاً: ما ذكره مستلزم لدلالة كلّ فردٍ من أفراد لفظ الإنسان الصادر من المتكلّم على كل فرد من أفراد الحيوان الناطق بخصوصياته؛ بحيث ينتقل إليها السامع و يدركها أيضاً، و ليس كذلك بشهادة الوجدان.
و رابعاً: يلزم ممّا ذكره أن يكون لفظ «الإنسان» مرادفاً للفظ «زيد» و «عمرو» و غيرهما من الأفراد، و ليس كذلك بالضرورة و العيان.