و ليس الوضع عبارة عن جعل اللّفظ علامة للمعنى؛ كي يقال بإمكان جعل لفظ واحد علامةً لمعنيين أو أكثر، بل هو عبارة عمّا ذكرناه، و لفنائه في المعنى يستهجن اللّفظ الموضوع لمعنىً مستهجن، و تشمئزّ النفس منه.
و حينئذٍ: فجعل اللّفظ موضوعاً لأكثر من معنىً واحد، يستلزم أن يكون كلّ فردٍ من أفراد طبيعيه مرآة بالفعل لأكثر من معنىً واحد و فانياً بالفعل في المعاني المتعدّدة، و هو محال؛ لاستحالة فناء شيءٍ واحدٍ دفعةً واحدة في أمرين متباينين، كما لا يعقل وجود واحد وجوداً لماهيّتين.
و دعوى إمكان أن يجعل الواضع طائفةً من أفراد طبيعي اللّفظ لمعنىً، و طائفةً اخرى منه لمعنىً آخر.
مدفوعة أيضاً بما أشرنا إليه من سراية الوضع إلى جميع أفراد اللّفظ بنحو القضيّة الحقيقيّة التي يتعلّق الحكم فيها بجميع أفراد الطبيعي المحقّقة و المقدَّرة، و معه كيف يعقل تخصيص طائفةٍ من أفراد طبيعي اللّفظ لمعنىً، و طائفةٍ اخرى منها لمعنىً آخر؟!
مع أنّ ذلك التخصيص إن كان بتميّز تلك الطائفة من الطائفة الاخرى بمائز يتقوّم به اللّفظ الموضوع خرج عن الاشتراك، و إن كان المائز هو الاستعمال المتعلِّق باللّفظ، فلا يعقل أن يتقوّم اللّفظ بما يتوقّف على الاستعمال؛ لتأخّر الاستعمال عن مرتبة اللّفظ و وضعه.
و أجاب عنه المحقّق العراقي (قدس سره) على ما في التقريرات:
أمّا أوّلًا: فبالنقض بتحقّق الألفاظ المشتركة و وجودها في لغة العرب كالقُرء الموضوع للطّهر و الحيض.
و ثانياً: بالحلّ، و هو أنّا لا نسلِّم أنّ الوضع عبارة عن جعل اللّفظ مرآة للمعنى بالفعل، بل الوضع يوجب استعداد اللّفظ الموضوع للحكاية عن المعنى عند الاستعمال، و بالاستعمال يخرج من القوّة إلى الفعليّة في المرآتية و الحكاية، فإذا استعمل في المعنى