و يؤيّد ما ذهب إليه الدكتور فياض ما ورد في زيارة العلاّمة الرجالي الشيخ أبو العباس أحمد بن علي النجاشي النجف الأشرف عام 400 هـ و لقائه بجماعة من علماء الشيعة في زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام في يوم الغدير، فالتقى بالمحدّث الجليل الشيخ أبي نصر هبة اللّه بن أحمد بن محمد الكاتب المعروف بابن برينة [1] كما التقى بشيخه أبي عبد اللّه بن الخمري، الذي أجاز له في المشهد أن يروي عن الحسين بن أحمد بن المغيرة أبي عبد اللّه البوشنجي. [2]
و بعد التقدّم العمراني الذي حصل لمدينة النجف في العهد البويهي أخذت الأسر العلمية الشيعية في الكوفة و غيرها تنتقل إليها و تقطنها و يقصدها طلاب العلوم و المعرفة.
و كما ترى ممّا تقدّم فإنّ النجف قبل هجرة الشيخ الطوسي إليها عام 448 هـ كانت مأوى للعلماء و لم تخل من حركة علمية لعلماء مقيمين فيها، و إنّما لا يرقى إلى وجود جامعة علمية حتى هجرته المباركة، فانتظم الوضع الدراسي و تشكّلت الحلقات العلمية كما يتّضح ممّا كان يمليه الشيخ على تلامذته في كتابه"الأمالي".
هجرة الشيخ الطوسي للنجف و تأسيس الجامعة الكبرى
استطاع الشيخ الطوسي قبل هجرته إلى النجف أن يؤسّس في بغداد مركزا علميا مهمّا يرتاده الخاص و العام. و نتيجة لقدراته العلمية و قابليّاته المتميّزة منحه الخليفة القائم بأمر اللّه كرسي الكلام و الذي لم يكن يمنحه إلاّ لفطاحل العلماء الذين يتمتعون بشهرة علمية واسعة. و قد رفعته جلالته و مهابته و جهوده العلمية المثمرة و مؤلّفاته الكثيرة في مختلف العلوم الإسلامية أن يصبح زعيما و مرجعا للشيعة في بغداد تأوي إليه في مختلف شؤونها منذ وفاة أستاذه السيد المرتضى عام 436 هـ.