و لم تزل حوادث الفتن الطائفية في بغداد تتّسع بعد ورود السلاجقة و أميرهم طغرل بك إليها عام 447 هـ، حتى أمر طغرل بك بإحراق مكتبة الشيعة التي أنشأها أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة البويهي، و لم يكن في الدنيا أحسن كتبا منها، و كانت كلّها بخطوط الأئمة المعتبرة و أصولهم المحرّرة كما وصفها ياقوت الحموي. [1]
و قد أدّى تطوّر الأحداث في بغداد عام 448 هـ إلى هجرة الشيخ الطوسي إلى النجف بعد أن نهبت داره فيها و أخذ ما وجد من دفاتره و كرسي كان يجلس عليه للكلام، و أخرج إلى الكرخ و أضيف إليه ثلاث سناجيق بيض كان الزوّار من أهل الكرخ قديما يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة فأحرق الجميع. و بذا انهارت الحوزة الشيعية في بغداد و تفرّق رجالها.
و ما أن نزل الشيخ الطوسي بالنجف و جاور المشهد المقدّس حتى بدأ بسعي حثيث لتشكيل حلقات علمية صيّرها بعد اثني عشر عاما جامعة علمية كبرى للشيعة الإمامية، و مركزا علميا تشدّ إليه الرحال، و مهبطا لرجال العلم و مهوى أفئدتهم، فاستحقّ الشيخ الطوسي بجدارة أن يلقّب"مؤسّس حوزة النجف العلمية"، ثمّ استحق أن يلقّب بشيخ الطائفة، حتى انصرف هذا اللقب إليه عرفانا بعظيم جهوده وسعة علومه و كثير مؤلّفاته.
فعلى صعيد مؤلّفاته له كتاب"التهذيب"و كتاب"الاستبصار"اللذين هما أهم كتبه الحديثية التي عليها مدار استنباط الأحكام الشرعية عند الفقهاء الاثني عشرية منذ عصر مؤلّفه حتى اليوم. و استطاع الشيخ الطوسي بكتبه الفقهية و تنوّع أنماطها أن يسدّ كلّ ناحية من نواحي الفقه، فألّف كتاب"النهاية"و هو أهمها على نهج المسائل المنصوصة.
ثمّ ألّف كتاب"المبسوط"على طريقة-تفريع الفروع و تبيين أحكامها، و هي- الإستفادة من أدلّة الكتاب و السنّة مع التحفّظ على أصول الشيعة بالاجتهاد، لينفي