أمّا وجوب شكر المنعم: فلا يلزمه العقل كلّية، نعم كلّ منعم و لو بنعمة، صغيرة جدّا، يحسن شكره، أمّا أنه يلزم شكره بحيث يأمر العقل به أمرا أكيدا إلزاميا، و يذمّ على تركه ذمّا بالغا، فلا.
فهل تجد من نفسك إنّه إذا قدّم لك إنسان فلسا واحدا، في ظرف لا تحتاج أنت إلى ذلك و لا ينقص المعطي شيئا، فإن لم تشكره تكون أنت فاعلا للحرام العقلي يذمّك العقل ذمّا بالغا، و يؤكّد على فعله تأكيدا إلزاميّا؟ كلّا.
نعم يرى العقل حسن شكره، و يحكم بحسنه، و يبعث على شكره بعثا غير إلزامي- على الأصح من تحقّق الحكم للعقل كما سيأتي بعض الحديث عنه-.
و من المعلوم: أنّ بين البعث غير الإلزامي و البعث الإلزامي فرقا واضحا، لكن ظاهر إطلاق جمع من المعاصرين وجوب شكر المنعم مطلقا، و لعلّه ليس كما ينبغي، و الّذي أوقعهم في ذلك هو: دقة الفرق بين مطلق الحسن، و بين الوجوب، فحسبوا تحسين العقل الشكر، وجوبا و كلّ بعث عقلي بعثا إلزاميّا.
نعم المنعم بنعمة كبيرة يجب شكره عقلا و أظهر مصاديقه على الإطلاق هو اللّه تعالى الّذي أنعم على الإنسان بجميع النعم العظام، و لكن أين هذا من كلّية الكبرى؟