أمّا بعد: فإنّي آنست نارا من وادي عالم العقل إيناسا، فاقتبست من تلك النار لمحفل الفقاهة نبراسا، ليصطلي المهتدي بجذوة من ناره مقباسا، و شيّدت لعالي بنائه قواعد و أساسا، و أهبطت بعناية اللّه من سماء العلم أقمارا و أشماسا، و ناديت على استظلال ذلك النادي جلّاسا، ليعطّروا بنفحات حدائقه أنفاسا، فليزكّوا تعقّلا و إحساسا، و ليطهّروا ألواثا و أرجاسا، عسى أن ينهضوا و يختلسوا إلى سماء القدس اختلاسا، و ينفضّوا عن أذيالهم أشواكا و أرماسا[1]، و يؤذّنوا إليه عبّادا و نسّاكا ليقيموا بمسارح مبانيه أفراسا، و ينيخوا بمعاطن معانيه أعياسا[2]، كي يستوقروا[3]من زواهر جواهره أجناسا، و ليحصّلوا لتحريره على صفحات أذهانهم ببراعات عقولهم البسيطة أقلاما و أطراسا[4]، و من سويداء قلوبهم المنوّرة على مثال المسك أنقاسا[5]، يكون حسن الثلاثة على رواء بنان الحوراء و بهاء خدّها و سواء طرّتها سيّاسا.
ثمّ لمّا برز كتاب نبراس الهدى منظوما أسّا و أساسا، و قد شيب فيه ظاهر الفقه بباطنه من شطر من علم الأخلاق و نذر من العلم الإلهي بعد ما كانت معالمها أدراسا، و لم يخل من إغلاق لازم للنظم يستدعي العثور بجواهر أغواره إغماسا، شرحته شرحا يرفع عن وجهه التباسا، و ألتمس من اللّه لسالك مسالكه التماسا، للحفظ من مسّ الشيطان حرسا و أقواسا و أتراسا.
فها أنا أخوض في المقصود ممحوق الوجود منطمس القوّة في قوّة العزيز المقتدر انطماسا، و أقول:
[1] الرمس: تراب القبر. قال ابن الأثير (النهاية: 2/ 263): «. أصل الرمس الستر و التغطية، و يقال لما يحثى على القبر من التراب: رمس».
[2] أناخ الجمل: أبركه. العيس: هي الإبل البيض مع شقرة يسيرة. واحدها: أعيس و عيساء (النهاية: 3/ 329).