ثم اطلعت على قلوب المصطفين من رسلي فلم أجد فيهم أطوع و لا أنصح لخلقي من محمد خيرتي و خالصتي، فاخترته على علم و رفعت ذكره إلى ذكري، ثم وجدت قلوب حامته اللاتي من بعده على صبغة قلبه، فألحقتهم به و جعلتهم ورثة كتابي و وحيي و أوكار حكمتي و نوري و آليت بي ألّا أعذب بناري من لقيني معتصما بتوحيدي و حبل مودتهم أبدا.
ثم أمرهم أبو حارثة أن يصيروا إلى صحيفة شيث الكبرى التي انتهى ميراثها إلى إدريس النبي (عليه السلام). قال: و كان كتابتها بالقلم السرياني القديم، و هو الذي كتب من بعد نوح (عليه السلام) من ملوك الهياطلة، و هم النماردة.
قال: فاقتصّ القوم الصحيفة و أفضوا منها إلى هذا الرسم. قال: اجتمع إلى إدريس قومه و صحابته و هو يومئذ في بيت عبادته من أرض كوفان فخبّرهم فيما اقتصّ عليهم.
قال: إن بني أبيكم آدم (عليه السلام) الصلبية و بني بنيه و ذريته اختصموا فيما بينهم و قالوا: أي الخلق عندكم أكرم على اللّه عز و جل و أرفع لديه مكانة و أقرب منه منزلة؟ فقال بعضهم:
أبوكم آدم (عليه السلام)، خلقه اللّه عز و جل بيده و أسجد له ملائكته و جعله الخليفة في أرضه و سخّر له جميع خلقه. و قال آخرون: بل الملائكة الذين لم يعصوا اللّه عز و جل. و قال بعضهم: لا بل رؤساء الملائكة الثلاثة: جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل (عليهم السلام) و قال بعضهم: لا بل أمين اللّه جبرئيل.
فانطلقوا إلى آدم فذكروا الذي قالوا و اختلفوا فيه. فقال: يا بنيّ، أنا أخبركم بأكرم الخلائق جميعا على اللّه عز و جل. إنه و اللّه لما أن نفخ في الروح حتى استويت جالسا، فبرق لي العرش العظيم فنظرت فيه فإذا فيه: «لا إله إلا اللّه، محمد رسول اللّه، فلان أمين اللّه، فلان خيرة اللّه عز و جل». فذكر عدة أسماء مقرونة بمحمد (صلّى اللّه عليه و آله)، ثم لم أر في السماء موضع أديم [1]- أو قال: صفيح- منها إلا و فيه مكتوب «لا إله إلا اللّه»، و ما من موضع فيه مكتوب «لا إله إلا اللّه» إلا و فيه مكتوب- خلقا لا خطا-: «محمد رسول اللّه»، و ما من
[1] الأديم: الجلد المدبوغ، يعني ليس في السماء محلا خاليا حتى بمقدار هذه الكلمات.