فبكى عزرائيل، فقال له الحق تعالى: ما يبكيك؟ قال: إذا كنت كذلك كرهوني هؤلاء الخلائق! فقال: لا تخف، إني أخلق لهم عللا فينسبون الموت إلى تلك العلل.
ثم بعد ذلك أمر اللّه تعالى جبرئيل (عليه السلام) أن يأتيه بالقبضة البيضاء التي كانت أصلا. فأقبل جبرئيل (عليه السلام) و معه الملائكة الكروبيون و الصافّون و المسبّحون. فقبضوها من موضع ضريحه و هي البقعة المضيئة المختارة من بقاع الأرض.
فأخذها جبرئيل من ذلك المكان فعجنها بماء التسنيم و ماء التعظيم و ماء التكريم و ماء التكوين و ماء الرحمة و ماء الرضا و ماء العفو. فخلق من الهداية رأسه، و من الشفقة صدره، و من السخاء كفّيه، و من الصبر فؤاده، و من العفة فرجه، و من الشرف قدميه، و من اليقين قلبه، و من الطيب أنفاسه؛ ثم خلطها بطينة آدم.
فلما خلق اللّه تعالى آدم أوحى إلى الملائكة: «إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ». [1] فحملت الملائكة جسد آدم و وضعوه على باب الجنة و هو جسد لا روح فيه؛ و الملائكة ينتظرون متى يؤمرون بالسجود، و كان ذلك يوم الجمعة بعد الظهر.
ثم إن اللّه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم (عليه السلام)، فسجدوا إلا إبليس لعنه اللّه. ثم خلق اللّه بعد ذلك الروح و قال لها: «ادخلي في هذا الجسم». فرأت الروح مدخلا ضيّقا، فوقفت. فقال لها: «ادخلي كرها و اخرجي كرها».
قال: فدخلت الروح في اليافوخ [2] إلى العينين. فجعل ينظر إلى نفسه، فسمع تسبيح الملائكة. فلما وصلت الخياشيم [3] عطس آدم (عليه السلام)، فأنطقه اللّه تعالى بالحمد فقال: