أساس اختياره ، إنّما هي شعاع من العقل الاجتماعي والإرادة الاجتماعية ، وأنّ الإرادة الفردية إغراء من الروح الجماعية تبرز في الفرد لوصول المجتمع إلى مقاصده الاجتماعية . والخلاصة : إذا قلنا بأصالة المجتمع محضاً ؛ لم يكن مجال لتوهّم الحرية الفردية والاختيار الفردي في الأُمور الاجتماعية .
يقول ( آميل دور كايم ) العالم الاجتماعي الفرنسي الذي يعتقد بهذه النظرية : ( إنّ الأُمور الاجتماعية أو ( بتعبير أحسن ) الأُمور الإنسانية في قِبال الأكل والنوم أو غيرهما ممّا يتعلّق بالجهة الحيوانية في الإنسان ـ من مكتسبات المجتمع دون الفرد وإرادة الفرد .
ولها ثلاث مميّزات :
1ـ أنّها خارجة عن ذات الفرد .
2ـ أنّها جبرية .
3ـ أنّها عامة .
وإنّما تُعدّ خارجة عن ذات الفرد لأنّها تصدر من المجتمع ويتقبّلها الفرد ، وهي موجودة في المجتمع قبل وجوده ، وإنّما يقبلها تحت تأثير المجتمع : كالآداب والتقاليد الخلقية والاجتماعية والدين ونظائرها . وتُعدّ جبريّة لأنّ الفرد مقهور في قبوله ، ويتربّى الوجدان الفردي وفكره وإحساسه وعواطفه حسب ما تقتضيه هذه الأُمور . وجبريتها تستلزم عموميتها أيضاً ) .
وأمّا إذا التزمنا بالنظرية الثالثة ، وقلنا بأصالة الفرد والمجتمع معاً ، فالمجتمع وإن كان له قدرة غالبة على قدرة الفرد ، إلاّ أنّ ذلك لا يستلزم جبر الفرد في الأُمور الاجتماعية الإنسانية . فالجبر الذي يقول به ( دور كايم ) إنّما يقول به غفلة عن أصالة الفطرة في الإنسان ، الناشئة من تكامل الإنسان بجوهره في الطبيعة . وهذه الفطرة تمنح الإنسان نوعاً من الحرية والتمكّن على العصيان أمام مقتضيات المجتمع . ومن هنا نقول