إنّ علاقة الفرد بالمجتمع يتحكّم فيها نوع من الأمر بين الأمرين [1] .
والقرآن الكريم بينما يقول باستقلال المجتمع في طبيعته وشخصيته وعينيّته وقدرته وحياته وموته وأجله ووجدانه وإطاعته وعصيانه ، يصرّح أيضاً بأنّ الفرد قادر على العصيان أمام مقتضيات المجتمع ؛ ويستند القرآن في ذلك إلى ( فطرة الله ) . وقد ورد في سورة النساء آية / 97 أنّ قوماً يعتذرون عن عدم قيامهم بمسؤوليّاتهم الفطرية بكونهم مستضعفين في مجتمعهم ( المجتمع المكّي ) . وفي الواقع يريدون أن يعتذروا عن ذلك بكونهم مجبرين أمام مقتضيات المجتمع ، فلا يُقبل منهم هذا العذر ؛ إذ كان بإمكانهم على اقل تقدير أن يهاجروا ، ويتركوا ذلك الجو الاجتماعي الفاسد إلى مجتمع صالح [2] .
وقال تعالى في سورة المائدة / 105 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتُمْ ) والمراد أنّ ضلال الآخرين لا يجبركم على الضلالة إذا كنتم مهتدين .
وقال تعالى في آية الذر التي وردت إشارة إلى الفطرة الإنسانية ، بعد أن أشار إلى أخذ العهد من الناس على توحيد الرب ، وإيداع هذا العهد في فطرة الإنسان ، قال : ( أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً
[1] الأمر بين الأمرين هو نظرية الشيعة في مسألة الجبر والتفويض ، حيث يقول الأشاعرة بالأول ، والمعتزلة بالثاني . وقد اشتهر عن أئمّتنا ( عليهم السلام ) قولهم : لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ( المترجم ) .