وإن أسأتم فلأنفسكم أيضاً ، يعني : أنّ سنّتنا وقانوننا ثابت لا يتغيّر ، ففي حالة نمنح أُمّةً القوّة والقدرة والعزّة والاستقلال ، وفي حالة أُخرى نسوقها إلى المذلّة والانحطاط . وإذا حلّ وقت الانتقام من طغيانكم الثاني بعد عودكم إلى الفساد سلّطنا عليكم عباداً أُخر أقوياء وأشدّاء في الحرب ليسوءوا وجوهكم ، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرّة ، وليبيدوا كل ما تسلّطوا عليه شر إبادة . ولعلّ الله يرحمكم إذا عدتم إلى الصراط المستقيم ، وإن عدتم إلى الفساد عدنا إلى العقوبة وتسليط الأعداء عليكم . فقوله تعالى وإن عدتم عدنا بلحاظ خطابه إلى القوم والأُمّة دون الأفراد ؛ يدل على أنّه قانون وسنّة عامة للمجتمعات .
الجبر والاختيار الاجتماعيَّين :
من المسائل الأساسية المطروحة بين العلماء ، وخصوصاً في القرن الأخير ، هي مسألة الجبر والاختيار الفردي في قِبال مقتضيات المجتمع ، وبعبارة أُخرى اختيار الروح الفردية وجبرها في قِبال الروح الجماعية .
فإذا التزمنا بالنظرية الأُولى في مبحث تركيب المجتمع ، وقلنا بأنّه تركيب اعتباري محض ، وأنّ الأصيل هو الفرد ، لم يكن مجال لتوهّم الجبر الاجتماعي ؛ إذ ليست هناك قدرة وقوّة سوى قدرة الفرد وقوّته ، ونكون بذلك قد أنكرنا قوّة المجتمع وقدرته فلا يتوهّم له سلطان على الفرد . فإذا تحقق جبر عليه كان من فرد أو أفراد آخرين لا من قِبل المجتمع ، كما يقوله القائلون بالجبر الاجتماعي .
كما أنّه إذا التزمنا بالنظرية الرابعة ، وقلنا بأنّ الفرد ، من حيث الشخصية الإنسانية مادة صرفة وكالإناء الفارغ مجرّد استعداد وقابلية ، وأنّ شخصية الفرد الإنسانية وعقله الفردي وإرادته الفردية التي هي