هذه الغايات التي يرتبط بها العمل الهادف المسؤول تؤثّر من خلال وجودها الذهني في العامل لا محالة . المستقبل أو الهدف ، الذي يشكل الغاية للنشاط التاريخي ، يؤثّر في تحريك هذا النشاط وبلورته من خلال وجوده الذهني ، أي من خلال الفكر الذي يمثّل فيه الوجود الذهني للغاية ضمن شروط ومواصفات .
دائرةُ السنن النوعيّة للتاريخ إذن تنحصر بالفعل المتميّز بظهور علاقة فعلٍ بغاية ، ونشاط بهدف ، وبالتعبير الفلسفي ظهورِ دورِ العلّة الغائية . تنحصر هذه الدائرة بالفعل المتطلّع إلى المستقبل المحرّك لهذا الفعل من خلال الوجود الذهني الذي يرسم للفاعل غايته ، أي من خلال الفكر . السننُ النوعية للتاريخ موضوعُها ذلك الجزء من الساحة التاريخية الذي يحمل علاقة بالغاية والهدف ، أي بالعلّة الغائية إضافة إلى العلاقة الموجودة في الظاهرة الطبيعية .
ذكرنا حتى الآن ، أنّ العمل التاريخي له بعدان ، البعدُ الأول هو ( السبب ) والبعد الثاني هو ( الهدف ) وهنا نضيف أنّه ليس كل عمل له غاية هو عمل تاريخي تجري عليه سنن التاريخ . بل لا بدّ من توفّر بعد ثالث كي يكون عملاً تاريخياً ، أي عملا تحكمه سننُ التاريخ .
البعدُ الثالث للعمل التاريخي أن يتعدّى هذا العمل الفاعل نفسه ، ويتخذ من المجتمع الذي يكون الفاعل أحدَ أفراده ، أرضيّة له ، ويخلق موجاً ذا درجة معينة . ولا يمكن أن يكون العمل تاريخياً إلاّ إذا كان له موج يتعدى حدود العامل الفردي . قد يأكلُ الفرد إذا جاع ، ويشرب إذا عطش . وينام إذا أحسّ بحاجته إلى النوم ، لكنّ هذه الأعمال ، على الرغم من أنّها أعمال هادفة تريد أن تحقق غايات لا يمتد موجّهاً إلى