مجتمع له شخصية وطبيعة وسنن يجري وفقها . وهذا ما سنبحثه في فصل آخر [1] .
أمّا بشأن الفرض الثاني ، فإنّنا لا ننكر وجود اختلاف في خلقة البشر ، لكنّه لا يصح أن يكون النوابغ والإبطال وحدهم ذوي قدرة خلاّقة ، والأكثرية الساحقة مستهلكة للحضارة والمدنية . جميع أفراد البشر مزوّدون بقدرة الابتكار والإبداع بدرجة وأُخرى ؛ من هنا فجميع الأفراد أو أكثريتهم على الأقل قادرون على المشاركة في الإنتاج والابتكار والإبداع ، وإن كانت مشاركتهم ضئيلة بالنسبة إلى النوابغ .
تقابل هذه النظرية نظرية أُخرى تذهب إلى أنّ التاريخ هو الذي يخلق الشخصيات ، لا العكس ، أي إنّ الاحتياجات العينية الاجتماعية هي التي تخلق الشخصية .
نُقل عن مونتسكيو أنّه قال : ( الأشخاص العظام والأحداث الجسام مظاهر ونتائج لتيّارات أوسع وأطول ) وعن هيغل أنّه قال : ( الأشخاص الكبار لم يخلقوا التاريخ ، بل هم قوابل له [2] . أي إنّه ( علامات ) لا ( عوامل ) .
أولئك الذين يؤمنون بالأصالة الجماعية مثل دوركيم ، ويعتقدون أنّ الأفراد يفتقدون أية شخصية ذاتية ، وكل شخصيتهم مأخوذة من المجتمع ، يذهبون إلى أنّ الأفراد والشخصيات ليست إلاّ مظاهر للروح الجماعيّة .
[1] عسى أن يجد القارئ في الملحقات ما أراد الأُستاذ الشهيد أن يقدّمه لقارئه عن دور الإنسان في دفع عجلة التاريخ ( المترجم ) .
[2] جمع قابلة : المرأة التي تأخذ الولد عند الولادة ، ويراد هنا أنّ الأبطال وسائل لولادة أحداث التاريخ ، وليسوا صنّاع لهذه الحوادث التاريخية .