وأنّ تركيب المجتمع من الأفراد ليس بتركيب حقيقي ، والأفراد مستقلّون عن بعضهم ، وليس هناك روح جماعية مركّبة من تفاعل الأفراد مع بعضهم وذات شخصية وطبيعة وقوانين خاصة ، وأنّ علاقات الأفراد مع بعضهم تشبه في استقلالها علاقات الأشجار في غابة واحدة .
والحوداث الاجتماعية ليست سوى مجموعة أحداث جزئية وفردية ؛ من هنا فالصدف الناتجة عن العلل الجزئية هي التي تتحكّم في المجتمع ، لا العلل الكليّة العامة .
الثاني : أنّ أفراد البشر مخلوقون بشكل متفاوت تفاوتاً شديداً . مع أنّ أفراد البشر جميعاً موجودات مفكّرة ، أو بتعبير الفلاسفة حيوانات ناطقة ، فأكثريّتهم الساحقة ـ مع ذلك ـ تفتقد قدرة الخلاّقية والابتكار ، وتستهلك الحضارة والمدنية ولا تنتجها ، واختلافها عن الحيوانات : أنّ الحيوانات لا تستطيع حتى استهلاك الحضارة والمدنية . هذه الأكثرية تحمل روح التقليد والتبعية وعبادة الأبطال . أمّا الأقلية النادرة من أفراد البشر فهم النوابغ المستقلّون المبدعون المبتكرون ، ذوو الإرادة الحديدية المتميّزون عن الأكثرية ، كأنّهم جُبلوا من طينة أُخرى ! والبشرية ما كان بمقدورها أن تتقدم ، لولا ظهور النوابغ والأبطال في المجالات العلمية والفلسفية والذوقية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية والفنية .
نحن نعتقد أنّ الافتراضين خاطئان .
أمّا الأول ، فقد أثبتنا خطأه في بحث ( المجتمع ) حيث أثبتنا أنّ المجتمع له شخصية وطبيعة وقانون وسنّة ، وحركته تتم وفق هذه السنن العامة . وهذه السنن تطورية تكاملية ذاتياً ؛ من هنا ينتفي هذا الافتراض ، وتبقى مسألة الدور الذي يستطيع أن ينهض به الإنسان في