نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية جلد : 1 صفحه : 61
للبدن، فلما ذا حرمته الشريعة الكاملة الفاضلة التي أباحت الطيبات، و حرمت الخبائث؟
قيل: هذا السؤال يجيب عنه كلّ طائفة من طوائف المسلمين بجواب، فمنكرو الحكم و التّعليل لما رفعت قاعدة التعليل من أصلها لم يحتاجوا إلى جواب عن هذا السؤال.
و مثبتو التعليل و الحكم- و هم الأكثرون- منهم من يجيب عن هذا بأن الشريعة حرّمته لتصبر النفوس عنه، و تتركه للّه، فتثاب على ذلك لا سيما و لها عوض عنه بغيره.
و منهم من يجيب عنه بأنه خلق في الأصل للنساء، كالحلية بالذهب، فحرم على الرجال لما فيه من مفسدة تشبه الرجال بالنساء، و منهم من قال: حرم لما يورثه من الفخر و الخيلاء و العجب. و منهم من قال: حرم لما يورثه بملامسته للبدن من الأنوثة و التخنّث، و ضد الشهامة و الرجولة، فإن لبسه يكسب القلب صفة من صفات الإناث، و لهذا لا تكاد تجد من يلبسه في الأكثر إلا و على شمائله من التخنث و التأنث، و الرّخاوة ما لا يخفى، حتى لو كان من أشهم الناس و أكثرهم فحولية و رجولية، فلا بد أن ينقصه لبس الحرير منها، و إن لم يذهبها، و من غلظت طباعه و كثفت عن فهم هذا، فليسلّم للشارع الحكيم، و لهذا كان أصح القولين: أنه يحرم على الولي أن يلبسه الصبيّ لما ينشأ عليه من صفات أهل التأنيث.
و قد روى النسائي من حديث أبي موسى الأشعري، عن النبي (صلى اللّه عليه و سلم) أنه قال:
«إنّ اللّه أحلّ لإناث أمّتي الحرير و الذّهب، و حرّمه على ذكورها». و في لفظ:
«حرّم لباس الحرير و الذّهب على ذكور أمّتي، و أحلّ لإناثهم» [1].
و في «صحيح البخاري» عن حذيفة قال: نهى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) عن لبس الحرير و الديباج، و أن يجلس عليه، و قال: «هو لهم في الدّنيا، و لكم في الآخرة» [2].
[1] أخرجه عبد الرزاق في المصنف. و النسائي في الزينة و الترمذي في اللباس و هو حديث صحيح