نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية جلد : 1 صفحه : 158
و إليهما يدعو، و بهما يهلك بني آدم، فالنار و الشيطان كل منهما يريد العلو في الأرض و الفساد، و كبرياء الرب- عز و جل- تقمع الشيطان و فعله.
و لهذا كان تكبير اللّه- عز و جل- له أثر في إطفاء الحريق، فإن كبرياء اللّه- عز و جل- لا يقوم لها شيء، فإذا كبّر المسلم ربّه، أثّر تكبيره في خمود النار و خمود الشيطان التي هي مادته، فيطفىء الحريق، و قد جربنا نحن و غيرنا هذا، فوجدناه كذلك، و اللّه أعلم.
فصل في هديه (صلى اللّه عليه و سلم) في حفظ الصحة
لما كان اعتدال البدن و صحته و بقاؤه إنما هو بواسطة الرطوبة المقاومة للحرارة، فالرطوبة مادة، و الحرارة تنضجها، و تدفع فضلاتها و تصلحها و تلطفها، و إلا أفسدت البدن و لم يمكن قيامه، و كذلك الرطوبة هي غذاء الحرارة، فلو لا الرطوبة، لأحرقت البدن و أيبسته و أفسدته، فقوام كل واحدة منهما بصاحبتها، و قوام البدن بهما جميعا، و كلّ منهما مادة للأخرى، فالحرارة مادة للرطوبة تحفظها و تمنعها من الفساد و الاستحالة، و الرطوبة مادة للحرارة تغذوها و تحملها، و متى مالت إحداهما الى الزيادة على الأخرى، حصل لمزاج البدن الانحراف بحسب ذلك، فالحرارة دائما تحلّل الرطوبة، فيحتاج البدن إلى ما به يخلف عليه ما حللته الحرارة- لضرورة بقائه- و هو الطعام و الشراب، و متى زاد على مقدار التحلل، ضعفت الحرارة عن تحليل فضلاته، فاستحالت مواد رديئة، فعاثت في البدن، و أفسدت، فحصلت الأمراض المتنوعة بحسب تنوع موادها و قبول الأعضاء و استعدادها، و هذا كله مستفاد من قوله تعالى: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا[1]، فأرشد عباده إلى إدخال ما يقيم البدن من الطعام و الشراب عوض ما تحلل منه، و أن يكون بقدر ما ينتفع به البدن في الكمية و الكيفية، فمتى جاوز ذلك كان إسرافا، و كلاهما مانع من الصحة جالب للمرض، أعني عدم الأكل و الشرب أو الإسراف فيه.