نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية جلد : 1 صفحه : 159
فحفظ الصحة كله في هاتين الكلمتين الإلهيتين، و لا ريب أن البدن دائما في التحلل و الاستخلاف، و كلما كثر التحلل ضعفت الحرارة لفناء مادتها، فإن كثرة التحلل تفني الرطوبة، و هي مادة الحرارة، و إذا ضعفت الحرارة، ضعف الهضم، و لا يزال كذلك حتى تفنى الرطوبة، و تنطفئ الحرارة جملة، فيستكمل العبد الأجل الذي كتب اللّه له أن يصل إليه.
فغاية علاج الإنسان لنفسه و لغيره حراسة البدن الى أن يصل إلى هذه الحالة، لا أنه يستلزم بقاء الحرارة و الرطوبة اللتين بقاء الشباب و الصحة و القوة بهما، فإن هذا مما لم يحصل لبشر في هذه الدار، و إنما غاية الطبيب أن يحمي الرطوبة عن مفسداتها من العفونة و غيرها، و يحمي الحرارة عن مضعفاتها، و يعدل بينهما بالعدل في التدبير الذي به قام بدن الإنسان، كما أن به قامت السماوات و الأرض و سائر المخلوقات، إنما قوامها بالعدل، و من تأمل هدي النبي (صلى اللّه عليه و سلم) وجده أفضل هدي يمكن حفظ الصحة به، فإن حفظها موقوف على حسن تدبير المطعم و المشرب، و الملبس و المسكن، و الهواء و النوم، و اليقظة و الحركة، و السكون و المنكح، و الاستفراغ و الاحتباس، فإذا حصلت هذه على الوجه المعتدل الموافق الملائم للبدن و البلد و السن و العادة، كان أقرب الى دوام الصحة أو غلبتها إلى انقضاء الأجل.
و لما كانت الصحة و العافية من أجل نعم اللّه على عبده، و أجزل عطاياه، و أوفر منحه، بل العافية المطلقة أجل النعم على الإطلاق، فحقيق لمن رزق حظا من التوفيق مراعاتها و حفظها و حمايتها عما يضادها، و قد روى البخاري في «صحيحه» من حديث ابن عباس، قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم): «نعمتان مغبون فيهما كثير من النّاس: الصّحّة و الفراغ» [1].
و في الترمذي و غيره من حديث عبيد اللّه بن محصن الأنصاري، قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم): «من أصبح معافى في جسده، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدّنيا» [2].
[1] أخرجه البخاري في الرقاق، و الترمذي و ابن ماجه.
[2] أخرجه الترمذي و ابن ماجه في الزهد، و البخاري في الأدب.
نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية جلد : 1 صفحه : 159