نام کتاب : الشيعة في مسارهم التاريخي نویسنده : الأمين، السيد محسن جلد : 1 صفحه : 14
العاملية و يخمد الطموح المتوهج لأبنائها. فتراجع عن مشروعه ليتعاطى «أمورا لم يسبق له تعاطيها» على حد قوله [1] ، و التجارة ما قصده السيد من هذه الأمور، و كانت ممارستها صعبة و شاقّة، و اقتضت منه التّرحال إلى أماكن بعيدة.
و لكنّ طالب العلم لم تؤثّر التجارة في خياراته، فظلّت هذه متّقدة في نفسه، خصوصا و أن بنت جبيل عادت توقظها من جديد، عندما قدم إليها السيد مهدي الحكيم من العراق. فدرس عليه وقتا قصيرا، إذ شغل الأستاذ بالوعظ و إصلاح المجتمع، أكثر من انشغاله بالتدريس. فلم يطل السيد، بسبب ذلك، مقامه في بنت جبيل. و تمرّ سنوات أربع عكف خلالها على القراءة، من دون أن تصرفه هذه عن «أموره» الأخرى، و ذلك قبل أن يقرّر-بالمصادفة-الذهاب إلى العراق، و هو في الرابعة و العشرين من عمره (1308 هـ) .
4-إلى العراق
كانت هذه المحطّة الثانية في مساره الذي كاد يتعثّر تحت تأثير الضائقة و يتحوّل إلى اتجاه آخر. و لكن إيمانه جعل الحلم حقيقة، و إذا به في النجف التي طالما شغف بها محاولا ما أمكن تعويض المهدور من الأيام السالفة. ذلك أن بعض العامليين كانت تأخذ بهم المجالس الخاصّة، و يمضون أكثر الوقت في تناول الشاي و تبادل الأحاديث، فانصرف عنهم مواظبا على حلقات كبار العلماء الذين نوّه بعدد غير قليل ممّن أصابوا شهرة في الفقه منهم. و لم ينس نقد الطرائق المتّبعة، فدعا إلى إعادة النظر في مناهج التدريس التي انطوت على كثير من الخلل و من ذلك «إدخال مسائل الكلام في علم أصول الفقه» ، أو «إهمال علم الحديث» ، أو ما له علاقة بتنظيم الدراسة، إذ لم تكن حينذاك آليّة خاصة بإلقاء المحاضرات و مواقيتها، و إنما كان الأمر خاضعا لمزاج الأستاذ و ظروفه [2] . فضلا عن طبيعة الحياة الاجتماعية و الاقتصادية في النجف، و التي تشجّع على الاسترخاء و تبطئ حركة الإنتاج على كافة الصّعد فيها. مكث السيد الأمين إحدى عشرة سنة