و صالح أخوه الحسن معاوية بأمر اللّه [1]، و نهض هو نهضته المباركة بأمر اللّه، إنّ الّذين يعترضون على نهضة الحسين لا يفسرون الأشياء تفسيرا واقعيّا، و لا تفسيرا دينيّا، و إنّما يفسرونها تفسيرا ذاتيّا و شخصيّا محضا لا يمت إلى العلم و الدّين بسبب، و لا ينظرون إلى حكمة اللّه، و حجته البالغة: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ[2].
لقد بيّن سيّد الشّهداء كلمة اللّه، و دعا إلى الحقّ، و حذّر المخالفين من عاقبة الظّلم، و الطّغيان، فمن خذطبة له يوم الطّفّ:
«فسحقا لكم يا عبيد الأمّة، و شذاذ الأحزاب، و نبذة الكتاب، و نقثة الشّيطان، و عصبة الآثام، و محرّفي الكتاب، و مطفئي السّنن، و يحكم هؤلاء ...!، و عنّا
[1] اختلف المؤرّخون اختلافا كثيرا فيمن بدر لطلب الصّلح، فابن خلدون في تأريخه: 2/ 186 ذهب إلى أنّ المبادر لذلك هو الإمام الحسن (عليه السّلام) حين دعا عمرو بن سلمة الأرحبي و أرسله إلى معاوية يشترط عليه بعد ما آل آمره إلى الإنحلال، و قال ابن الأثير في الكامل: 3/ 205 مثل ذلك؛ لأنّ الإمام الحسن (عليه السّلام) رأى تفرّق الأمر عنه، و جاء مثله في شرح النّهج لابن أبي الحديد: 4/ 8.
و أمّا ابن أعثم في الفتوح: 2/ 292 قال: ثمّ دعا الحسن بن عليّ بعبد اللّه بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم و هو ابن اخت معاوية فقال له: صرّ إلى معاوية فقل له عنّي: إنّك إن أمنت النّاس على أنفسهم ... و قريب من هذا في تأريخ الطّبري: 6/ 92، و البداية و النّهاية: 8/ 15، و ابن خلدون:
2/ 186، و تأريخ الخلفاء: 74، و الأخبار الطّوال: 200، و تأريخ اليعقوبي: 2/ 192.
أمّا الفريق الآخر فقد ذكر أنّ معاوية هو الّذي طلب و بادر إلى الصّلح بعد ما بعث إليه برسائل أصحابه المتضمّنة للغدر و الفتك به متى شاء معاوية أو أراد، كما ذكر الشّيخ المفيد في الإرشاد: 2/ 13 و 14 و صاحب كشف الغمّة: 154، و مقاتل الطّالبيّين: 74، و تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي: 206 و لكننا نعتقد أنّ معاوية هو الّذي طلب الصّلح، و ممّا يدل على ذلك خطاب الإمام الحسن (عليه السّلام) الّذي ألقاه في المدائن و جاء فيه: ألا و إنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ و لا نصفه ...
انظر، الكامل في التّاريخ: 3/ 205، و تأريخ الطّبري: 6/ 93.