إن قلت: إنّ الطبيعة بما هي و إن كانت ممّا لا يمكن إسراؤها إلى غيرها من الطبائع إلّا أنّها لما كانت سارية بنفس ذاتها في الأفراد ففي مورد التصادق يسري كلّ واحدة من الطبيعتين في هذا فيجتمع الأمر و النّهي فيه تبع اجتماع الطبيعتين فيه.
قلت: سريان الطبيعة في الأفراد ممّا لا محيص عنه إلّا أنّ الأمر و النّهي أو الإرادة و الكراهة حيث كان متعلّق كلّ واحد منهما الطبيعة الصّرفة لا تكاد تسرى في الأفراد كما أشرنا إليه في معنى الإطلاق. و معلوم أنّ سراية الطبيعة إلى الأفراد سراية ذاتيّة عقليّة و هي غير السراية اللّحاظيّة.
هذا خلاصة الكلام في حلّ الإشكال من حيث اجتماع الضدّين. فليكن هذا جوابا حلّيّا.
و هاهنا جواب نقضيّ ينبغي لك أن تسمعه بسمع القلب. و هو أنّه لا إشكال في أنّه قد يتعلّق علمك بمجيء العالم في اليوم الكذائيّ مع أنّك جاهل بمجيء العادل في هذا اليوم و قد جاء في هذا اليوم زيد العالم العادل فكما أنّ العلم و الجهل ضدّان لا يجتمعان في موضوع واحد و مع ذلك في هذا المثال في وجود واحد و هو زيد العالم العادل الذي كان مجيئه مصداقا لمتعلّق العلم و الجهل معا و ذلك لا يكون إلّا من جهة أنّ متعلّق الجهل حيثيّته مجيء العادل بما هو و متعلّق العلم حيثيّته مجيء العالم بما هو بدون سراية إحدى الحيثيّتين إلى الاخرى باعتبار واحدة الوجود. و هكذا من صلّى في دار مجهولة الغصبيّة فيصدق على الحركات الصّلاتيّة أنّها معلوم الصلاتيّة و مجهول الغصبيّة، فالقائل بالامتناع لا بدّ له في أمثال تلك الموارد إمّا الالتزام باجتماع الضّدّين في الموجود الواحد الشّخصيّ أو الالتزام بعدم التضادّ بين العلم و الجهل أو الالتزام بعدم وجود هذا النّحو من العلم و الجهل و كلّها ضرورىّ البطلان.
كذلك الوجوب و الحرمة فإنّهما لا يتعلّقان بالموجود الخارجيّ بما هو موجود في الخارج و إلّا لكان العلم و الجهل كذلك بل إنّما يكون متعلّق أحدهما الحيثيّة الصّلاتيّة و متعلّق الآخر الحيثيّة الغصبيّة من دون سراية إحداهما إلى الاخرى بل قد عرفت عدم إمكان