قد يترجح لما قيل من أنّ المجاز خير من الاشتراك، إلّا أن يقال: إنّ المجاز بناء على توقفه على رخصة الواضع، و بناء على تناهي العلاقات، و بناء على احتياجه إلى قرينتين صارفة و معينة لا يكون عند الحكيم عدلا للاشتراك، و لكن هذا كله لا نلتزم به كما مر بعضه في تعارض الأحوال و سيأتي الآخر.
القول الثالث: إمكان وقوعه في غير الكتاب العزيز،
و امتناعه فيه للإخلال بالحكمة و هي تفهيم الرسالة و ما فيها، و لمنافاته للاعجاز و ما يتبعه، فإنّ ما لا يفهم لا يكون معجزا بالضرورة، و الاعتماد على القرائن تطويل بلا طائل، و هو مخل بالبلاغة فضلا عن الاعجاز، و لأن استعماله و الحال هذه إمّا للعجز عن تبديله، و إمّا للجهل باخلاله، و كلاهما لا يليق به سبحانه.
و سيأتي ما فيه عند بيان القول الرابع المختار.
القول الرابع: إمكانه،
و أوّل دليل عليه وقوعه في الكتاب و غيره، و قد ثبت ذلك بالنقل القطعي، و التبادر، و عدم صحة السلب، و قد وقع بعض ما ثبت فيه ذلك بالكتاب ك (عسعس) بمعنى أقبل و أدبر و (قرء) بمعنى حيض و طهر، و حينئذ فلا مجال لدعوى استحالته مطلقا او في خصوص الكتاب العزيز، مضافا إلى منع ما استدلوا به.
أما الإخلال بالحكمة فلتعلق غرض الحكيم أحيانا بالاجمال، فيكون مطلوبا لذلك، و قد أخبر اللّه تعالى بوقوعه في كتابه، فقال: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ.
و أمّا القرائن فإنّما يكون إيرادها تطويلا بلا طائل إذا سيقت لمجرد القرينية، و أمّا إذا سيقت لفوائد أخرى فلا.