وهكذا امتزجت الحرية الجوهرية والحرية الشكلية معاً ، في التصميم الإسلامي هذا الامتزاج الرائع الذي لم تنتجه الانسانية - في غير ظل الإسلام - إلى التفكير فيه وتحقيقه ، إلا في غضون هذا القرن الأخير ، إذ بدأت المحاولات إلى إقرار مبدأ الضمان ، والتوفيق بينه وبين الحرية ، بعد أن فشلت تجربة الحرية الرأسمالية فشلاً مريراً . وعلى أي حال فقد ضحت الرأسمالية بفكرة الضمان والحرية الجوهرية في سبيل الحرية الشكلية . وهنا نصل إلى النقطة الأساسية في دراستنا ، لنتساءل : ما هي تلك القيم التي ترتكز عليها الحرية الشكلية في المذهب الرأسمالي ، والتي سمحت للرأسمالية أن تهدر جوهر الحرية وضماناتها في سبيل ؟ ؟ ! ويجب أن نستبعد هنا كل المحاولات الرامية ، إلى تبرير الحرية الشكلية بمبررات موضوعية اجتماعية ، كوصفها بأنها أداة لتوفير الإنتاج العام ، أو لتحقيق الرفاه الاجتماعي . فقد مرت بنا هذه المبررات ودرسناها ، ولم تصمد للدرس والامتحان ، وإنما نعني الآن بمحاولة الرأسمالية ، لتفسير قيمة الحرية تفسيراً ذاتياً . فقد يقال بهذا الصدد : أن الحرية جزء من كيان الإنسان ، وإذا سلب الإنسان حريته فقد بذلك كرامته ، ومعناه الانساني الذي يتميز به عن سائر الكائنات . وهذا التعبير المهلهل لا ينطوي على تحليل علمي للقيمة الذاتية للحرية ، ولا يمكن أن يجذب سوى من يستهويه التلاعب بالألفاظ ، لأن الإنسان إنما يتميز كيانه الانساني الخاص عن سائر الكائنات ، بالحرية الطبيعية ، بوصفه كائناً طبيعياً ، لا بالحرية الاجتماعية باعتباره كائناً اجتماعياً لا فالحرية التي تعتبر شيئاً من كيان الانسان : هي الحرية الطبيعية ، لا الاجتماعية التي تمنح وتسلب تبعاً للمذهب الاجتماعي السائد . وقد يقال : ان الحرية بمدلولها الاجتماعي تعبر عن نزعة أصيلة في نفس الإنسان ، وحاجة من حاجاته الجوهرية . فالانسان بوصفه يتمتع بالحرية الطبيعية . يميل ذاتياً إلى أن يكون حراً ، من ناحية المجتمع الذي يعيش ضمنه ، في سلوكه وعلاقاته