و أما لم اختير الجزم لها [ف][1]لأنها ضارعت حروف الجزاء من أجل أن
الفعل المضارع يقع بعدها بمعنى الماضي كما يقع الماضي بعد حروف الجزاء بمعنى
الاستقبال فلما تشابها من هذا الوجه جعل عملهما الجزم، و أما (لا) في النهي فإنما
اختصت بالجزم لأن النهي نقيض الأمر و الأمر مبني على السكون إذ لم يكن في أوله
اللام فجعل النهي نظيرا له في اللفظ، فلهذا خص بالجزم، و أما (لام) الأمر فجعلت
لازمة للجزم لاشتراك الأمر باللام و غير اللام في المعنى، و خصت اللام بذلك لأنها
تدخل على الغائب فشابهت لام التعريف لأنها تستعمل[2]للعهد و لمن هو غائب؛ فأدخلت اللام
من بين سائر الحروف لهذا المعنى. و أما قولنا في الكتاب[3]: أفلم، و أفلما، فالأصل: لم، و تدخل
عليها فاء العطف و واو العطف و ألف الاستفهام، و الجزم: إنما هو بلم إذ كان ما دخل
عليها لا تأثير له.
و أما (لمّا) فالجزم يقع بها، و بينها و بين (لم) فروق[4]ذلك أن
(لم) نفي لقولك: قام زيد ثم تقول: لم يقم زيد فإذا قلت: قد قام، فنفيه: لما يقم، و
ذلك أن (قد) فيها معنى التوقع فزيدت (ما) على (لم) بإزاء قد الداخلة على الفعل في
أول الكلام، و الدليل على أن (لمّا) مخالفة في الحكم ل (لم) أنه يجوز السكوت عليها
فيقال في الجواب: لما و لا يذكر بعدها شيء، و لا يجوز ذلك في لم فعلم الفرق
بينهما.
فإن قال قائل: فما الذي أحوج إلى إبانة لفظ الماضي بعد (لم) إلى لفظ
المستقبل؟
[2]في الأصل: لا تستعمل، و وجود (لا) هنا ينافي
المراد.
[3]لعله يريد في الكتابة و الاستعمال، و إلّا
فقوله (و أما قولنا) صوابه: و أما قوله يعني كتاب اللّه تعالى أو كتاب سيبويه و قد
ترددت (أ فلم و أفلما) فيهما غير مرّة.