و الوجه الثاني: أن أفعل أثقل من فعل، و من كلامهم جواز التخفيف من
الثقيل، أعني أنهم ينتقلون من الثقيل إلى الخفيف، و إنما نقل عور من اعورّ و حول
من احولّ، و ليس من كلامهم أن ينقلوا الخفيف إلى الثقيل إذا اتفقا في المعنى أعني
الخفيف و الثقيل؛ لأن ثقل الخفيف يوجب تكلّفا لا فائدة فيه إذا كانا في هذا الموضع
قد اتفقا في المعنى، و مثل هذا لا يقع من حكيم، فدل استعمالهم عور و اعورّ بمعنى
واحد أن عور مخفف من اعورّ، و يجوز أن يعتل في امتناع اشتقاق الفعل من الألوان و
الخلق بما يحكى عن الخليل[1]أن هذه الأشياء لما كانت مستقرة في
الشخص، و لا تكاد تتغير جرت مجرى أعضائه الثلاثة التي لا معنى للفعل فيها كاليد و
الرجل، فكما لا تقول: ما أيداه، و لا ما أرجله، إذ كانا اسمين ليس بجاريين على
فعل، فكذلك لا يجوز في الألوان و الخلق اشتقاق فعل للتعجب حملا على اليد و الرجل.
و اعلم أنك إذا قلت: أحسن بزيد، و أظرف بعمرو، فالباء يجوز أن يكون
موضعها رفعا و نصبا، و الأظهر أن يكون موضع الباء و ما بعدها رفعا؛ لأن (أحسن) فعل
و لا بد للفعل من فاعل، و وجب أن تكون [الباء مع][2]الاسم في موضع الفاعل فهذا هو
الظاهر، و أما من جوز أن يكون موضعها رفعا و نصبا فإنه يقول: في الفعل الفاعل و هو
الحسن كما أضمر فيه إذا كان بعد ما، فإذا قدر الثاني مضمرا صار حرف الجر مع ما
تعلق به في موضع المفعول، و هذا القول ضعيف، و إنما ضعف و فارق ما أحسن زيدا، و
إنما جاز الإضمار في ما أحسن لتقدم (ما) عليه، و (ما) اسم مبتدأ، و أحسن في موضع
خبره، فلم يكن بد من
[1]قال سيبويه:" و زعم الخليل أنهم إنما
منعهم من أن يقولوا في هذه ما أفعله، لأن هذا صار عندهم بمنزلة اليد و الرجل، و ما
ليس فيه فعل من هذا النحو، ألا ترى أنك لا تقول: ما أيداه، و لا ما أرجله، إنما
تقول: ما أشدّ يده، و ما أشد رجله و نحو ذلك ..." الكتاب 2/ 251 (بولاق).