responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفكر الإسلامي مواجهة حضاریة نویسنده : المدرسي، السيد محمد تقي    جلد : 1  صفحه : 197

والواقع أن الذي يعتقد بالرسول عبقريًّا- فقط- وبالرسالة موهبة فحسب ليس بمعتقد بالرسالة أبدًا. ذلك لأن الرسول (ص) يُصرِّح أنه مبعوث من قبل الله سبحانه، وأنه عبد كسائر العباد، وأنه يتخذ كل اعتباره وقيمته من الوحي، ويقول: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ [1]. وأما القرآن فيقول في صفة الرسول: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ [2]، يا داوُودُ إِنّا جَعَلْناكَ خَليفَةً فِي اْلأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقّ [3].

في الآية الأولى: يُؤكِّد الله سبحانه أن الرسول يُطاع بإذن الله، لا بما فيه من موهبة ونبوغ.

وفي الآية الثانية: يُصرِّح القرآن أن الله قد جعل داود خليفة في الأرض جعلًا.

وعلى هذه الحقيقة يبني الدين كل بنائه، فالرسول مبعوث من قبل الله، وحكمه حكم ربه: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحى [4]، وليس الرسول حالًّا في الله سبحانه إنما هو رجل يُوحى إليه من ربه، ولا الله تعالى قد وَلَدَهُ، ولا هو منطو على جزء من الألوهية- كما زعمت الفلسفات الجاهلية والأديان المتأثرة بها-؛ ذلك لأن اعتباره لم يكن نابعًا من ذاته حتى يكون دليلًا على الوهيته- كما زعموا- بل لو تجرد عن الوحي عاد بشرًا مثل سائر البشر.

ولهذا ينسف الإسلام كل مزاعم اليهود والنصارى بما ظنوا في أنبيائهم من مراتب الألوهية؛ زعمًا منهم أن ما في الأنبياء من علم وحكمة، وأن ما تجري على أيديهم من معاجز وخوارق للعادة، إنما هي ناشئة من ذواتهم التي فيها نوع من النبوغ يُميِّزهم عن سائر البشر بدرجة.

فعيسى الذي كان يحيي الموتى كان نبيًّا وكان إلهًا بزعمهم، وعزير الذي مات ثم أحياه الله كان نبيًّا وكان إلهًا في الوقت ذاته. ذلك لأنهم لم يعرفوا واقع الرسالة فزعموا أن عيسى وعزير حين شذَّا عن الآخرين وعملا أعمالًا خارقة فإنما كان بسبب ما كان فيهما من الإلوهية. ومثلهم في ذلك مثل الذين زعموا أن النبوة موهبة ذاتية ونبوغ شخصي للرسول، فكلاهما لم يفهم واقع النبوة فتخبطا في الظلمات خبطًا. وإنما الفرق بينهما أن الفلسفة القديمة كانت تعترف بأن كل من فاق البشر كان إلهًا دون أنصار الفلسفة الحديثة.


[1] سورة الكهف، آية: 110.

[2] سورة النساء، آية: 64.

[3] سورة ص، آية: 26.

[4] سورة النجم، آية: 3- 4.

نام کتاب : الفكر الإسلامي مواجهة حضاریة نویسنده : المدرسي، السيد محمد تقي    جلد : 1  صفحه : 197
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست