ثم إن المنسوب إلى ابن عباس دعوى نسخ قوله تعالى: { و قولوا للناس حسنا } بآية السيف وهي قوله تعالى:
{ قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الأخر ولا يحرمّون ما حرّم
اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحق من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا
الجزية عن يد وهم صاغرون } [1].
و فيه: أن النسخ إنما يكون مع اتحاد مورد الآيتين الكريمتين، بحيث تكون
احداهما ناظرة إلى الاخرى ورافعة لحكمها، فلا يمكن الالتزام بالنسخ مع
اختلاف الموردين وتغاير الموضعين.
و حيث إن ما نحن فيه من قبيل الثاني لأن كلا من الآيتين ثابتة في موضع
يغاير موضع ثبوت الاخرى، فإن القول الحسن للمؤمن والكافر ثابت في مقام
معاشرة الناس ودعوتهم إلى الحق قولا وفعلا، في حين أن آية السيف ثابتة في
مورد القتال والجهاد.
و بعبارة أخرى: إن هذه الآية الكريمة { و قولوا للناس حسنا } إنما تتضمن بيان حكم اخلاقي اجتماعي يستقل العقل به، وهو حسن المعاشرة مع الناس جميعا، مؤمنا كان أم كافرا، فهو كقوله تعالى: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن } [2]، فلا ينافي الشدة في مقام القتال والمحاربة.
نعم، في الكافي وتفسير العياشي عن الصادق عليه السّلام أن الآية منسوخة
بآية السيف، كما أن في تفسير علي بن ابراهيم القمي أنها منسوخة بقوله
تعالى: { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [3].
و لا بد من حمله على إرادة المعنى العام للنسخ-دون المعنى المصطلح-