الأخذ بالأخير ، ولم أقف على من عدّ ذلك في طرق الترجيح من الأخبار ، فضلا
عن العمل عليه في ذلك المضمار سوى شيخنا الصدوق ـ عطر الله مرقده ـ في (الفقيه) في
باب الرجل يوصي للرجلين ، حيث نقل فيه خبرين [١] توهم أنهما مختلفان ، ثم قال : (ولو صح الخبران جميعا
لكان الواجب الأخذ بقول الأخير ، كما أمر به الصادق عليهالسلام ، وذلك لأن الأخبار لها وجوه ومعان ، وكلّ إمام أعلم
بزمانه وأحكامه من غيره من الناس) [٢] انتهى.
أقول : لا يخفى
أن العمل بهذا الوجه في زمانهم عليهمالسلام لا إشكال فيه ؛ وذلك لأن الاختلاف المذكور ناشئ عن
التقية ، لقصد الدفع عن الشيعة ، كما يشير إليه قوله عليهالسلام في الخبر الثاني : «إنا والله لا ندخلكم إلّا فيما يسعكم».
وحينئذ ،
فالوجه في الأمر بالأخذ بالأخير ، أنه لو كان التقيّة في الأول فالأخير رافع لها ،
فيجب الأخذ به [٣] لكونه هو الحكم الواقعي ولا صارف عنه ثمة ، وإن كان
التقية في الثاني وجب الأخذ به لدفع الضرر. وأمّا بالنسبة إلى مثل زماننا هذا ،
فالظاهر أنه لا يتجه العمل بذلك على الإطلاق ؛ لجواز أن يحصل العلم بأن الثاني
إنّما ورد على سبيل التقية ، والحال أن المكلف يومئذ ليس في تقية ، فإنه يتحتّم
عليه العمل بالأوّل. ولو لم يعلم كون الثاني بخصوصه تقيّة ، بل صار احتمال التقية
قائما بالنسبة إليهما ، فالواجب حينئذ هو التخيير أو الوقف بناء على ظواهر الأخبار
أو الاحتياط ، كما قدمنا الإشارة إليه في الفائدة السابعة [٤].
الفائدة
العاشرة : في تقرير مذهب الكليني في اختلاف الأخبار
المستفاد من
كلام ثقة الإسلام وعلم الأعلام محمد بن يعقوب الكليني ـ عطر