و من أمثلة الاستطراد التي أعجبت
المصري قول بكر بن النطاح:
عرضت
عليها ما أرادت من المنى
لترضى
فقالت قم فجئني بكوكب
فقلت
لها هذا التعنت كلّه
كمن
يتشهّى لحم عنقاء مغرب
سلي
كلّ شيء يستقيم طلابه
و
لا تذهبي يا بدر بي كلّ مذهب
فأقسم
لو أصبحت في عز مالك
و
قدرته أعيا بما رمت مطلبي
فتى
شقيت أمواله بنواله
كما
شقيت بكر بأرماح تغلب
قال: «و هذا أبدع استطراد سمعته في عمري، فانه قد جمع أحسن قسم، و أبدع تخلص،
و أرشق استطراد، و تضمن مدح الممدوح بالكرم و قبيلته بالشجاعة و الظفر و هجاء
أعدائهم بالضعف و الخور، و هذا لم يتفق لمن قبله و لا لمن بعده الى وقتنا هذا»[2].
الاستظهار:
الاستظهار من استظهر، أي استعان، و
استظهر حفظ، و الاستظهار أيضا الاحتياط و الاستيثاق[3].
و قد ذكر ابن رشيق في باب الايغال
فنا سمّاه الاستظهار، قال: «و من هذا نوع يسمّى الاستظهار، و هو قول ابن المعتز لابن طباطبا العلوي
أو غيره:
فأنتم
بنو بنته دوننا
و
نحن بنو عمه المسلم
فقوله: «المسلم» استظهار؛
لان العلوية من بني عم النبي- عليه الصلاة و السّلام- أيضا أعني أبا طالب و مات
جاهليا، فكأن ابن المعتز أشار بحذقه الى ميراث الخلافة»[4].
الاستعارة:
الاستعارة مأخوذة من العارية أي
نقل الشيء من شخص الى آخر حتى تصبح تلك العارية من خصائص المعار اليه. و العارية
و العارة: ما تداولوه بينهم، و قد أعاره الشيء و أعاره منه و عاوره إياه. و
المعاورة و التعاور شبه المداولة و التداول يكون بين اثنين.
و تعوّر و استعار: طلب العارية، و
استعاره الشيء و استعاره منه: طلب منه أن يعيره إياه[5].
و الاستعارة مجاز لغوي عند أكثر
البلاغيين و إن كان عبد القاهر قد تردد فيها فجعلها مجازا عقليا مرة و مجازا لغويا
تارة أخرى، ففي «دلائل الإعجاز» يميل إلى أنّها مجاز عقلي
أو هي من أبوابه[6]، و يذكر في الكتاب نفسه أنّها مجاز
في نفس الكلمة[7] اي
مجاز لغوي و يؤكد ذلك ما ذكره في كتابه الآخر[8] و قد أشار المتأخرون الى هذا
التردد كالرازي الذي رأى أنّها مجاز لغوي[9]، و السكاكي الذي انكر المجاز العقلي
و سلكه في الاستعارة المكنية[10] أي أنّ المجاز لغوي كله.
و الاستعارة من أوائل فنون التعبير
الجميلة في اللغة العربية، و لعل أبا عمرو بن العلاء كان من أقدم الذين ذكروها،
فقد ذكر الحاتمي أنّ ابن العلاء قال: «كانت يدي في يد الفرزدق و أنشدته قول ذي الرمة: