أقول : اعلم أنّ العلم وإن كان من الكيفيّات الحقيقيّة القائمة بالنفس ، إلاّ أنّه لا يعقل إلاّ مضافا إلى الغير ؛ فإنّ العلم علم بالشيء ، ولا يعقل تجرّده عن الإضافة حتّى توهّم بعضهم [١] أنّه نفس الإضافة الحاصلة بين العلم والمعلوم ، ولم يثبت كونه أمرا حقيقيّا مغايرا للإضافة.
إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ الإشكال يقوى على الاتّحاد كما قاله المصنّف ; ؛ فإنّ العاقل والمعقول إذا كانا شيئا واحدا ـ كما إذا عقل الشخص نفسه ـ يرد الإشكال [٢] عليه بأن يقال : أنتم قد جعلتم العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم ، وهذا لا يتصوّر هاهنا ؛ لاستحالة اجتماع الأمثال.
ويقوى الإشكال [٣] باعتبار الإضافة ؛ إذ الإضافة لا تعقل إلاّ بين الشيئين ، لا بين الشيء الواحد ونفسه ، فلا يتحقّق علم الشيء بذاته.
والجواب عن الأوّل [٤] : أنّ العلم إنّما يستدعي الصورة لو كان العالم عالما بغيره ، أمّا إذا كان عالما بذاته فإنّ ذاته تكفي في علمه من غير احتياج إلى صورة أخرى ؛ لأنّ علمه حينئذ علم حضوري ، بمعنى عدم غيبوبة المعلوم عن العالم ، لا حضوره عنده حقيقة ، وليس علمه حصوليّا حتّى يحتاج إلى صورة أخرى.
وعن الثاني [٥] : أنّ العاقل من حيث إنّه عاقل مغاير له من حيث إنّه معقول ، فأمكن
[١] هو الفخر الرازي ، كما في « المحصّل » : ٢٤٥ ؛ « المباحث المشرقيّة » ١ : ٤٥٠ ؛ « شرحي الإشارات » ١ : ١٣٣ ـ ١٣٤ ، واختاره في « المطالب العالية » ٣ : ١٠٤ بعد نسبته إلى جمع عظيم من الحكماء والمتكلّمين. [٢] راجع « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٣٢٠ ـ ٣٢١ ؛ « نهاية المرام » ٢ : ١٢ ـ ١٣ ؛ « كشف المراد » : ٢٢٨ ؛ « اللوامع الإلهيّة » : ٥٥ ؛ « شرح المواقف » : ١٥ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٠١ ـ ٣٠٢ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٥٢. [٣] « مناهج اليقين » : ٨٧ ـ ٨٨ ؛ « كشف المراد » : ٢٢٨ ؛ « شرح المواقف » ٦ : ١٦ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٠٢ ؛ « شرح تجريد العقائد » ٢٥٢. [٤] « كشف المراد » : ٢٢٨ ، ويعتبر هذا أحد الأجوبة ، وللمزيد انظر : « شرح المواقف » ٦ : ١٥ ـ ١٦ ؛ « اللوامع الإلهيّة » : ٥٥ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٠٢ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٥٢. [٥] « المباحث المشرقيّة » ١ : ٤٥٠ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٣٢١ ؛ « كشف المراد » : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ؛ « نهاية