قال الله تعالى : ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ )[١] و ( لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ )[٢] و ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً )[٣].
وبالجملة ، فالظاهر أنّ النفس جوهر مجرّد أو مادّي تعلّق بالأجسام تعلّق التدبير والتصرّف ، وليس بعرض أو نحوه كما هو ظاهر جعله كمالا.
وقد عرّفها الحكماء أنّها كمال أوّل لجسم طبيعيّ آليّ ذي حياة بالقوّة [٤].
والمراد بالكمال ما يكمل به النوع إمّا في ذاته ويسمّى كمالا أوّلا كصورة السيف للحديد ، أو في صفاته ويسمّى كمالا ثانيا كالقطع للسيف.
و « الجسم » يخرج المجرّدات ، و « الطبيعيّ » يخرج صور الجسم الصناعي كهيئة السرير والسيف ، و « الآلي » يخرج نحو المعدني ممّا يؤثّر بالخاصّيّة لا بالآلة.
والمراد بـ « ذي الحياة بالقوّة » المخرج للنفس الفلكيّة ـ على زعمهم ـ ما يمكن أن يصدر عنه ما يصدر عن الأحياء ، لا ما تكون حياته بالقوّة ، كما هو المتبادر حتّى يخرج النفوس الحيوانيّة والإنسانيّة. وقد وافقهم المصنّف.
وعرّفوا النفس بالكمال دون الصورة ؛ لأنّ النفس الإنسانيّة غير حالّة في البدن ، فليست صورة له بل هي كمال له ، ولكنّ الكمال منه أوّل وهو الذي يتنوّع به الشيء كالفصول ، ومنه ثان وهو ما يعرض للنوع بعد كماله من صفاته اللازمة والعارضة ، فالنفس من القسم الأوّل ، وهي كمال لجسم طبيعيّ غير صناعيّ كالسرير وغيره ، وليست كمالا لكلّ طبيعي حتّى البسائط ، بل هي كمال لجسم طبيعيّ آليّ تصدر عنه الأفعال بواسطة الآلات ، ويصدر عنه ما يصدر عن ذي الحياة ، وهي التغذّي والتنمية والتوليد والإدراك والحركة الإراديّة والنطق.
[١] يوسف (١٢) : ٥٣. [٢] القيامة (٧٥) : ٩. [٣] الفجر (٨٩) : ٢٧ ـ ٢٨. [٤] انظر : « الشفاء » الطبيعيات ٢ : ١٠ ، الفصل الأوّل من المقالة الأولى من الفنّ السادس ؛ « النجاة » ١٥٨ ؛ « رسالة الحدود » لابن سينا : ١٤ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٢٩٠ ـ ٢٩١ ؛ « المباحث المشرقية » ٢ : ٢٣١ وما بعدها.