أقول : يريد أن يبيّن أنّ المكان الطبيعي واحد ؛ لأنّه لو كان لجسم واحد مكانان طبيعيّان لكان إذا حصل في أحدهما تاركا للثاني بالطبع ، وكذا بالعكس ، فلا يكون واحد منهما طبيعيّا له ؛ فلهذا قال : « فلو تعدّد » يعني الطبيعي « انتفى » ولم يكن له مكان طبيعي.
قال : ( ومكان المركّب مكان الغالب أو ما اتّفق وجوده فيه ).
أقول : المركّب إن تركّب من جوهرين ، فإن تساويا وتمانعا وقف في الوسط بينهما ، وإن غلب أحدهما كان مكانه مكان الغالب ، فإن تركّب من ثلاثة وغلب أحدهما كان مكانه مكان الغالب ، وإلاّ كان في الوسط ، وإن تركّب من أربعة متساوية حصل في الوسط أو ما اتّفق وجوده فيه ، وإن غلب أحدهما كان في مكانه.
أقول : قيل في تعريف الشكل : إنّه ما أحاط به حدّ واحد أو حدود [٢].
وفي التحقيق أنّه من الكيفيّات المختصّة بالكمّيّات ، وهي هيئة إحاطة الحدّ الواحد أو الحدود بالجسم [٣].
وهو طبيعيّ وقسريّ ؛ لأنّ كلّ جسم متناه على ما يأتي ، وكلّ متناه له شكل بالضرورة ، فإذا فرض عاريا عن جميع العوارض ، لم يكن له بدّ من شكل أيضا ، فعلّته طبيعة الجسم لا غيره ، فيكون طبيعيّا له.
ولمّا كانت الطبيعة واحدة والقابل واحدا ـ وما عدا شكل الكرة من الأشكال مشتملا على تعدّد الأفعال من الخطّ والنقطة وغيرهما ، وأثر الواحد واحد ـ كان الشكل الطبيعي هو المستدير ، والأشكال الباقية قسريّة.
[١] الشكل هو الهيئة الحاصلة من إحاطة الحدّ الواحد أو الحدود بالمقدار ، أي الجسم التعليمي أو السطح ، فالأوّل كشكل الكرة ، والثاني كشكل المثلّث. [٢] انظر : « كتاب التعريفات » : ١٦٩ ، الرقم ٨٣٧. [٣] انظر : « كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم » ١ : ١٠٣٩.