الوجود حقيقة واحدة ذات
مراتب مختلفة بالشدّة و الضعف و التقدّم و التأخّر و العلوّ و الدنوّ و غيرها.
و يتفرّع على ما تقدّم
امور:
الأمر الأوّل: أنّ التمايز بين مرتبة من مراتب الوجود و مرتبة اخرى إنّما هو
بنفس ذاتها البسيطة التي ما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز. و لا ينافية مع
ذلك 18 أن ينسب العقل التمايز الوجوديّ إلى جهة الكثرة في الوجود دون جهة الوحدة،
و لا أن ينسب الاشتراك و السنخيّة إلى جهة الوحدة.
الأمر الثاني: أنّ بين مراتب الوجود إطلاقا و تقييدا 19 بقياس بعضها إلى بعض 20،
لمكان
18- قوله قدّس سرّه: «و
لا ينافيه مع ذلك»
لأنّ شأن العقل إدراك
الأشياء عن طريق المفاهيم. و هو مستلزم لنوع من التحليل، إذ كلّ مفهوم إنّما هي
نافذة ضيّقة إلى الخارج، لا يمكنه أن يحكي الخارج بجميع ما هو عليه. فمفهوم الوجود
إنّما يحكى أصل الموجوديّة، و لا يحكي ما يتّصف به الوجود من الصفات الحقيقيّة
الّتي هي عينه. و مفهوما الوجوب و الإمكان يحكيان هذين الوصفين، و لا يحكي شيء
منهما الوجود و لا غير نفسه من الأوصاف، و هكذا.
و بما ذكرنا يظهر أنّ
العينيّة و الوحدة في الخارج لا تنافي الغيريّة و التعدّد في تحليل العقل.
فوجوب الواجب عين وجود
الواجب، و إمكان الممكن عين وجود الممكن في الخارج، و لكنّ العقل ينسب تمايزهما
إلى أنّ هذا واجب و ذاك ممكن، و اشتراكهما إلى أنّ كلّا منهما وجود.
19- قوله قدّس سرّه:
«أنّ بين مراتب الوجود إطلاقا و تقييدا»
أي: في كثرة الوجود
الطوليّة، كما لا يخفى. و أمّا الكثرة العرضيّة فهي و إن كانت أيضا مشكّكة، إلّا
أنّها ليست آحادها متّصفة بالإطلاق و التقييد المذكورين.
قوله قدّس سرّه: «إطلاقا و
تقييدا»
التقييد هنا هو التقييد
بالعدم. و لمّا كان الإطلاق مقابلا للتقييد مقابلة العدم للملكة فهو عبارة عن عدم
التقييد بالعدم.
20- قوله قدّس سرّه:
«بقياس بعضها إلى بعض»
أي: في نسبة بعضها إلى بعض
و إن لم يكن هناك قائس. فليس المراد من القياس معناه