أنّ العدم لا يتحقّق منه
رابط، إذ لا شيئيّة له و لا تميّز فيه. 19 و لازمه أنّ القضايا الموجبة التي أحد
طرفيها أو كلاهما العدم- كقولنا: زيد معدوم و شريك البارى معدوم- لا عدم رابطا
فيها، إذ لا معنى لقيام عدم بعدمين أو بوجود و عدم و لا شيئيّة له و لا تميّز،
اللّهمّ إلّا بحسب الاعتبار الذهنيّ. 20
كليهما. أمّا بالنسبة
إلى الاولى فواضح. و أمّا بالنسبة إلى الثانية فلأنّ المحمول هو وجود الموضوع، و
وجود الشيء هو نفسه، كما سيصرّح قدّس سرّه بذلك في الفصل الثامن من المرحلة
الحادية عشرة.
و وصف النسبة بالرابطة
من قبيل تعليق الحكم بالوصف المشعر بالعلّيّة، فيدلّ على أنّ النسبة لكونها رابطة
لا يمكن تحقّقها بين الشيء و نفسه. لأنّ الرابطة تحتاج إلى أمرين مرتبط و مرتبط
إليه.
19- قوله قدّس سرّه: «و
لا تميّز فيه»
حتّى يكون بعض منه
رابطا، و بعض آخر طرفا له مستقلّا.
20- قوله قدّس سرّه:
«اللّهمّ إلّا بحسب الاعتبار الذهنيّ»
حيث يعتبر الذهن أوّلا
للعدم وجودا- حيث يعدّ اللا واقعيّة و عدم الوجود واقعيّة و وجودا له- ثمّ يعتبر
ثانيا عدم الرابط باعتبار إضافته إلى الرابط متمايزا عن عدم الموضوع و المحمول.
ثمّ يعتبر ثالثا عدم الرابط ذلك، رابطا بين الطرفين اللذين أحدهما أو كلاهما أيضا
عدم.
و بعبارة اخرى: يعتبر
العقل لعدم الرابط في مثل هذه القضايا وجودا، ثمّ يعدّه بعد اعتبار الوجود له،
رابطا بين الطرفين، فهو عدم رابط، و رابطيّته من جهة ما له من الوجود الاعتباريّ.
فهو نظير ما ذهب إليه
المصنّف قدّس سرّه و سيصرّح به في الفصل العاشر من المرحلة الحادية عشرة، من أنّ
النفس في القضايا السالبة تعتبر عدم الحكم فعلا لها و حكما. هذا.
و لكن يبدو أنّ الوجود
الرابط موجود في مثل هذه القضايا في الذهن؛ حيث إنّ العقل بعد ما يتصوّر زيدا و
العدم، و هما مفهوما اثنان، و يرى اتّحادهما مصداقا، يحكم بوجود النسبة
الاتّحاديّة بينهما، أي يربط أحدهما بالآخر بالنسبة الذهنيّة التي هو وجود رابط. و
أمّا في مطابقات هذه القضايا و محكيّاتها، فما ذكره من أنّه لا رابط فيها إلّا
بحسب الاعتبار الذهنيّ، و إن كان صحيحا، إلّا أنّ الرابط الاعتباريّ الموجود ليس
هو العدم. بل هو أيضا وجود رابط. و ذلك لأنّ العقل بعد ما يعتبر وجودا للعدم الذي
هو الموضوع لهذه القضايا، و وجودا آخرى للذي هو المحمول لها، يرى وجود النسبة
الاتّحاديّة بينهما. فالرابط بين الطرفين وجود رابط اعتباريّ، من جهة أنّ وجود
الطرفين و تعدّدهما لا يكون إلّا في الاعتبار.
و لو لا أنّ هذه القضايا
مشتملة على الوجود الرابط، كما ذكرنا، لم تكن قضايا موجبة، و قد