منها: أن قالوا: القرآن
مغيّر مبدّل و ليس الذي في أيديكم ما وقع به التحدّي للعرب، فكيف يمكنكم الاستدلال
به على صدقه عليه السلام. و أيضا فلو كان معجزا دالا على صدقه لعصمه اللّه عن
التغيير.
فيقال لهم أوّلا: لم زعمتم
انّ القرآن مغيّر مبدّل، بيّنوا ذلك ليمكنكم القدح فيه، ثمّ إن كان غرضهم بما
ادّعوه من تغيير القرآن و تبديله القدح في نبوته عليه السلام و صدقه في دعواه و
دلالة صدقه، فانّه لا يحصل بما ادعوه من ذلك غرضهم و لا يتمّ به بغيتهم. و ذلك
لأنّ العلم بصدقه عليه السلام في دعواه النبوّة لا يحتاج إلى العلم بأنّ هذا الذي
هو موجود في أيدينا، هو الذي ظهر عليه بعينه، بل على الجملة كاف في هذا الباب، بأن
يعلم في الجملة أنّه عليه السلام أظهر كلاما و قرآنا بلغتهم، و ادّعى أنّه كلام
اللّه انزل عليه و خصّه به دونهم. فانهم لا يمكنهم الإتيان بمثله و أنّهم لم يأتوا
بمثله مع حرصهم على الإتيان بمثله و شدّة دواعيهم و حاجتهم إليه، فكان انتفاء ذلك
المثل من جهتهم لتعذّره عليهم، و إن كان ذلك خارقا للعادة، سواء علم ذلك القرآن
بعينه أو لم يعلم و لهذا يمكن الأميّين من الأعاجم الاستدلال بالقرآن على نبوته و
صدقه في دعواه و إن لم يعلموا القرآن على التعيين و لا تعلموه على أنّا نبين أنّ
القرآن ليس مغيّرا و لا مبدّلا، ليبطل بذلك