فنقول لهم أ تزعمون أنّ
جميع القرآن مغيّر مبدّل أم بعضه دون بعض؟ إن قالوا كلّه، قلنا لهم: فجوّزوا أن
يكون الفاتحة مغيّرة مبدّلة. إن قالوا بجواز ذلك، قلنا لهم: كيف يجوز و يتمّ
التغيير في الفاتحة مع أنّهم كانوا يسمعونها منه عليه السلام كلّ يوم و ليلة في
صلاة الجهر ستّ مرّات، و كانوا يعلّمونها كلّ من دخل في الإسلام، و كلّ مصلّ كان
يقرؤها في الصلاة الواجبة و المسنونة، ثمّ و كانوا يقرءونها خارج الصلاة، و كلّ من
يتعلّمها كان يعرضها على معلّميها.
ثمّ و كيف يجوز مع كثرة
المعظّمين لها و القارئين أن لا ينكروا تغييرها و يقبلوها مغيّرة. بعد ما شاعت
فيهم على غير النظم الذي حفظوها و تعوّدوا قراءتها، و لو جاز تغيير مثلها في
شهرتها و ظهورها، لجاز تغيير كثير من الأخبار عن البلدان و الملوك و البقاع و
الوقائع حتّى يجوز أنّ الكعبة و مكّة و المدينة ليست هي ما يتعارفونها بل أخرى،
لكنّ الناس غيّروا الخبر عنها و كذا هذا في سائر البلدان و الملوك، و في ذلك لزوم
طريقة السّمنيّة و زوال الثقة بمخبر الأخبار.
و إن قالوا: إنّما نجوّز
التغيير و التبديل في بعض القرآن دون بعض و فيما عدا الفاتحة.
قلنا: الوجه الذي لم يجز
التغيير في الفاتحة حاصل في جميع القرآن و هي شهرة جميعه و قوّة الدواعي إلى نقله
على وجهه، لأن القارئين للقرآن و الحافظين له و المتعلّمين له و العارضين له على
الرسول عليه السلام و المعلّمين لهم كانوا كثيرين، و كذا القارءون له في صلواتهم و
الخاتمون له في زمنه، عليه السلام و زمن الصحابة بعده في غير الصلاة و في كلّ شهر
رمضان في التراويح كانوا جماعات كثيرين و كانوا يزدادون عصرا بعد عصر، و كلّ هؤلاء
كانوا معظّمين للقرآن و منكرين لتغييره لو غيّر. فكيف يجوز و الحال هذه أن يغيّر و
يبدّل؟ و كيف لا ينكر ذلك منكر، و لا يجري للإنكار ذكر في عصر من الأعصار.