بحسب العقل، بأن يلاحظ كلا منهما من غير ملاحظة الآخر، و يعتبر
الوجود معنى له اختصاص ناعت بالماهية، لا بحسب الخارج بأن يقوم الوجود بالماهية
قيام البياض بالجسم، و تلزم المحالات، و إما تفصيلا.
فعن الأول: أن قيامه بالماهية من حيث هي هي لا بالماهية المعدومة
ليلزم التناقض، و لا بالماهية الموجودة ليلزم الدور أو التسلسل.
فإن قيل: إن أريد بالماهية من حيث هي هي ما لا يكون الوجود أو العدم
نفسها و لا جزءا منها على ما قيل، فغير مفيد لأن العروض كاف في لزوم المحالات، و
إن أريد ما لا يكون موجودا و لا معدوما لا بالعروض و لا بغيره، فالتناقض فيه أظهر
لأن اللاوجود نقيض الوجود، بلا نزاع و لا اشتباه.
قلنا: المراد ما لا يعتبر فيه الوجود و لا العدم، و إن كان لا ينفك
عن أحدهما في الخارج. فإن قيل: عدم الانفكاك عن أحدهما كاف في لزوم المحال، لأنه
إن قارن العدم فيناقض، أو الوجود فيدور أو يتسلسل.
قلنا: قيام الوجود بالماهية أمر عقلي ليس كقيام البياض بالجسم ليلزم
تقدمها عليه بالوجود، تقدما ذاتيا أو زمانيا، فتلزم المحالات، بل غاية الأمر أنه
يلزم تقدمها عليه بالوجود العقلي، و لا استحالة فيه لجواز أن تلاحظ وحدها من غير
ملاحظة وجود خارجي أو ذهني، و يكون لها وجود ذهني لا بملاحظة العقل، فإن عدم
الاعتبار غير اعتبار العدم، و إن اعتبر العقل وجودها الذهني لم يلزم التسلسل، بل
ينقطع بانقطاع الاعتبار.
و أما القائلون بنفي الوجود الذهني[1]فجوابهم الاقتصار على منع لزوم تقدم
[1]يقول الإمام الرازي نمنع أنا نتصور
ما لا وجود له في الخارج أصلا بل كل ما نتصوره فله وجود غائب عنا، و ذلك المتصور
إما قائم بنفسه كما يقول أفلاطون، فإنه ذهب إلى أنه لا بد في كل طبيعة نوعية من
شخص مجرد باق أزلي أبدي. و ما استدل به أرسطو على إبطال هذا الرأي غير صحيح.