قلنا: بل بما لا يعتبر فيه الوجود و العدم و إن لم ينفك عن أحدهما.
فإن قيل فيتقارن أحدهما فيعود المحذور.
قلنا: القيام بها عقلي فيكفي حصولها في العقل من غير اعتباره، و إن
اعتبر فلا تسلسل في الاعتبارات، و عن الثاني بأن وجود الوجود عينه، و إنما النزاع،
في غيره، و تحقيقه أن بالوجود تتحقق الأشياء، فيكون تحققه بنفسه كحال الزمان مع
التقدم و التأخر على أنه لا استحالة في كونه معدوما).
احتج القائلون بكون الوجود نفس الماهية في الواجب و الممكنات جميعا
بوجوه حاصلها: أنه لو لم يكن نفس الماهية و ليس جزءا منها بالاتفاق لكان زائدا
عليها قائما بها، قيام الصفة بالموصوف، و قيام الشيء بالشيء فرع ثبوتهما في
نفسهما، لأن ما لا كون له في نفسه لا يكون محلا و لا في محل، و هذا بالنظر إلى
الوجود و الماهية ممتنع. أما في جانب الماهية فلأنها لو تحققت محلا للوجود فتحققها
إما بذلك الوجود فيلزم تقدم الشيء على نفسه، ضرورة تقدم وجود المعروض على العارض،
و إما بوجود آخر فيلزم تسلسل الوجودات ضرورة، إلا أن هذا الوجود أيضا عارض يقتضي
سابقية وجود المعروض و أما في جانب الوجود فلأنه لو تحقق- و التقدير إن تحقق
الشيء، أي وجوده زائد عليه- تسلسلت الوجودات فباعتبار الوجود و العدم في كل من
المعروض و العارض يمكن الاحتجاج على امتناع زيادة الوجود على الماهية بأربعة أوجه.
الأول:أنه لو قام بها و هي بدون الوجود معدومة لزم قيام الوجود بالمعدوم،
فجمع بين صفتي الوجود و العدم، و هو تناقض.
الثاني:أنه لو قام بها لزم سبقها بالوجود كما في سائر المعروضات، فإن كان
ذلك الوجود هو الوجود الأول لزم الدور، لتوقف قيام الوجود بالماهية على الماهية
الموجودة المتوقفة على قيام ذلك الوجود بها، و إن كان غيره لزم التسلسل لأن هذا
الوجود أيضا عارض يقتضي سبق الماهية عليه بوجود آخر و هلم جرا.