ولم يترك صلاة الليل قط حتّى ليلة الهرير، وكان عليه السّلام يوماً في حرب صفين مشتغلا بالحرب والقتال وهو مع ذلك بين الصفَّين يُراقب الشمس، فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين ما هذا الفعل؟ قال عليه السّلام: أنظر الزوال حتّى نصلّي، فقال له ابن عباس: وهل هذا وقت صلاة؟ إنّ عندنا لشغلا بالقتال عن الصلاة، فقال عليه السّلام: فعلى ما نقاتلهم، إنّما نقاتلهم على الصلاة[1].
لله درّ القائل:
يسقي ويشرب لا تلهيه نشوته
عن النديم ولا يلهو عن الكاس
أطاعه سكره حتّى تمكن من
فعل الصحاة فهذا أفضل الناس
فجلّ جلال من أعطاه هذه القدرة.
[جهاده عليه السلام]
وأمّا جهاده عليه السّلام، فهو أظهر من الشمس، وأشهر من أمس، لأنّه لا خلاف بين المسلمين كافّة انّ الدين إنّما تمهّدت قواعده، وتشيّدت أركانه بسيفه، ولم يسبقه في ذلك سابقٌ، ولا لحقه لاحقٌ.
كان رابط الجأش، قويّ البأس، سيفُ الله، وكاشف الكرب عن وجه رسول الله، تعجّبت الملائكة من حملاته على المشركين، وابتلى بجهاد الكفّار والمارقين والقاسطين والناكثين.
وروى أحمد بن حنبل في مسنده، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يبعثهبالراية، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، لا ينصرف حتّى يُفتح له[2].
ونقل الواحدي، قال: إنّ علياً عليه السّلام والعباس وطلحة افتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه، وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها،