فهذه حجّة واهية كبيت العنكبوت لا تقوم
على دليل ، بل الدليل على عكسها أوضح ، فقد روى الزهري عن عروة أنّ عمر بن الخطاب
أرادَ أن يكتب السنن ، فاستفْتى أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، فأشاروا عليه أن يكتُبها ، فطفقَ عمر يستخير الله فيها شهراً ، ثمّ أصبح يوماً
فقال : إنّي كنت أُريد أن أكتب السُّنن ، وإنّي ذكرت قوماً قبلكم كتبوا كتباً
فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله ، وإنّي والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبداً[١].
أنظر أيها القارئ إلى هذه الرواية ، كيف
أشار أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
على عمر بأن يكتب السُّنن ، وخالفهم جميعاً واستبدّ برأيه ، بدعوى أنّ قوماً قبلهم
كتبوا كتباً فأكبّوا عليها ، وتركوا كتاب الله ، فأين هي دعوى الشورى التي يتشدّق
بها أهل السنّة والجماعة؟! ثمّ أين هؤلاء القوم الذين أكبّوا على كتبهم وتركوا
كتاب الله ، لم نسمع بهم إلاّ في خيال عمر بن الخطّاب؟! وعلى فرض وجود هؤلاء القوم
فلا وجه للمقارنة ، إذ إنّهم كتبوا كتباً من عند أنفسهم لتحريف كتاب الله ، فقد
جاء في القرآن الكريم : ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ
يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ
لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أيْدِيهِمْ
وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ )[٢].
أمّا كتابة السنن فليستْ كذلك; لأنّها
صادرة عن نبي معصوم لا ينطقُ عن الهوى إن هو إلاّ وحىٌّ يُوحَى ، وهي مُبيّنة
ومفسّرة لكتاب الله ، قال
[١] كنز العمال ١٠ :
٢٩١ ح ٢٩٤٧٤ عن ابن عبدالبر ، المصنّف لعبد الرزاق ١١ : ٢٥٧ ح ٢٠٤٨٤ ، نحوه
الطبقات لابن سعد ٣ : ٢٨٧ ، جامع بيان العلم وفضله : ٧٦.