فظهر حديث كثير موضوع ، وبهتان منتشر ، ومضى
على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة ، وكان أعظم النّاس بليّة القرّاء المراؤون
والمستضعفون ، الذين يظهرون الخشوع والنسك ، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند
ولاتهم ، ويقرّبوا مجالسهم ، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل ، حتى انتقلت
تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديّانين الذين لا يستحلّون الكذب والبهتان ، فقبلوها
ورووها وهم يظنّون أنها حقّ ، ولو علموا أنّها باطلة لما رووها ، ولا تديّنوا بها[١].
وأقول : بأنّ المسؤولية في كلّ ذلك
يتحمّلها أبو بكر وعمر وعثمان ، الذين منعوا من كتابة الأحاديث الصحيحة عن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، بدعوى خوفهم بأن لا تختلط السنّة بالقرآن ، هذا ما يقوله أنصارهم والمدافعون
عنهم.
وهذه الدّعوى تُضحك المجانين ، وهل
القرآن والسنّة سُكّر وملح إذا ما اختلطا فلا يمكن فصل أحدهما عن الآخر ، وحتى
السكّر والملح لا يختلطان; لأنّ كلّ واحد محفوظ في علبته الخاصّة به ، فهل غاب عن
الخلفاء أن يكتبوا القرآن في مصحف خاصّ به ، والسنّة النّبوية في كتاب خاصّ بها ، كما
هو الحال عندنا اليوم!! ومنذ دوّنت الأحاديث في عهد عمر ابن عبد العزيز ( رضي الله
عنه ) ، فلماذا لم تختلط السنّة بالقرآن ، رغم أن كتب الحديث تُعدُّ بالمئات؟!
فصحيح البخاري لا يختلط بصحيح مسلم ، وهذا لا يختلط بمسند أحمد ، ولا بموطأ الإمام
مالك ، فضلا عن أن يختلط بالقرآن الكريم.