إن العدوّ و إن تقادم عهده # فالحقد باق في الصدور مغيب
و إذا الصديق لقيته متملقا # فهو العدو و حقه يتجنب
لا خير في ود امرئ متملق # حلو اللسان و قلبه يتلهب
يلقاك يحلف أنه بك واثق # و إذا توارى عنك فهو العقرب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة # و يروغ منك كما يروغ الثعلب
وصل الكرام و إن رموك بجفوة # فالصفح عنهم بالتجاوز أصوب
و اختر قرينك و اصطفيه تفاخرا # إن القرين إلى المقارن ينسب
إن الغني من الرجال مكرم # و تراه يرجى ما لديه و يرهب
و يبش بالترحيب عند قدومه # و يقام عند سلامه و يقرب
و الفقر شين للرجال فإنه # حقا يهون به الشريف الأنسب [1]
و اخفض جناحك للأقارب كلهم # بتذلل و اسمح لهم إن أذنبوا
ودع الكذوب فلا يكن لك صاحبا # إن الكذوب يشين حرا يصحب
وزن الكلام إذا نطقت و لا تكن # ثرثارة في كل ناد تخطب
و احفظ لسانك و احترز من لفظه # فالمرء يسلم باللبان و يعطب [2]
و السر فاكتمه و لا تنطق به # إن الزجاجة كسرها لا يشعب
و كذاك سر المرء إن لم يطوه # نشرته ألسنة تزيد و تكذب
لا تحرصن فالحرص ليس بزائد # في الرزق بل يشقي الحريص و يتعب
و يظل ملهوفا يروم تحيلا # و الرزق ليس بحيلة يستجلب
كم عاجز في الناس يأتي رزقه # رغدا و يحرم كيس و يخيب
و ارع الأمانة و الخيانة فاجتنب # و اعدل و لا تظلم يطب لك مكسب
و إذا أصابك نكبة فاصبر لها # من ذا رأيت مسلما لا ينكب
و إذا رميت من الزمان بريبة # أو نالك الأمر الأشق الأصعب
فاضرع لربك إنه أدنى لمن # يدعوه من حبل الوريد و أقرب
كن ما استطعت عن الأنام بمعزل # إن الكثير من الورى لا يصحب
و احذر مصاحبة اللئيم فإنه # يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
و احذر من المظلوم سهما صائبا # و اعلم بأن دعاءه لا يحجب
و إذا رأيت الرزق عز ببلدة # و خشيت فيها أن يضيق المذهب
فارحل فأرض اللّه واسعة الفضا # طولا و عرضا شرقها و المغرب
فلقد نصحتك إن قبلت نصيحتي # فالنصح أغلى ما يباع و يوهب
تتمة: ذكر الإمام أبو الفرج بن الجوزي، في الأذكياء، و غيره، قال: لما حضرت نزار بن
[1] شين: عيب.
[2] اللبان: الرضاع.