أضف إليه : أنّ وجدانك أصدق شاهد على أنّ الإنسان يجد في نفسه ثلاث حالات : تارة يشتاق الأمر الاستقبالي كمال الاشتياق لكن لايريده ، ولايكون عازماً لإتيانه . واُخرى يريده ويقصده من غير اشتياق ، بل مع كمال الكراهة . وثالثة يريده مع الاشتياق والحبّ والميل ; ولأجل ذلك يتصدّى لتهيئة المقدّمات في الأخيرين ، دون الأوّل .
وبذلك يظهر : أنّ ما ادّعاه كلّياً ; من أنّ الاشتياق يتعلّق بالمقدّمة من قبل ذيها ليس بصحيح ; لما تقدّم أنّ الشوق إلى الفعل ليس من مبادئ الإرادة ، بل ربّما يريده لامع الشوق ، كما يرضى بقطع اليد عند فساده مع الكراهة التامّة .
هذا حال الإرادة التكوينية .
وأ مّا الإرادة التشريعية فإمكان تعلّقها بأمر استقبالي أوضح من أن يخفى .
وما ذكره من عدم تعلّق البعث نحو أمر استقبالي ; إذ لو فرض حصول مقدّماته لما أمكن انبعاثه نحوه بهذا البعث ، ففيه أنّ انبعاث العبد تابع لكيفية البعث ; فلو بعثه إلى إيجاده فعلا فلا محالة يقع الانبعاث كذلك بعد حصول مبادئ الامتثال في نفسه .
وأ مّا إذا بعثه فعلا إلى أمر استقبالي ـ بمعنى طلب إيجاده في ذلك الوقت ـ فليس له الانبعاث إلاّ في ذلك الوقت ، لابعده ولا قبله . وعدم انبعاثه حال البعث مع فرض حصول المقدّمات للانبعاث غير مضرّ ; لأنّ المولى لم يبعثه إلى الإيجاد حال البعث حتّى يضرّ تخلّفه عن البعث ، بل في وقت مضروب .
وأ مّا الوجه في تقديم البعث على وقت المبعوث إليه فلأجل احتمال حدوث المانع في وقته ، كما في الأوامر الشخصية . وأ مّا الخطابات العامّة فقد عرفت أ نّه الطريق الوحيد في القوانين الكلّية .