هذا ، ولكنّه لا يثبت ما ادّعاه القائل ; لأنّ كون القوى تحت إرادة النفس وإطاعتها لايثبت سوى أنّ النفس إذا أرادت تحريكها في الحال تحرّكت الأعضاء ، ونحن لاننكره ، وهو غير القول بأنّ الإرادة لا تتعلّق بأمر استقبالي .
بل أقول بلحن صريح : إنّ ما اشتهر بين الأعاظم ـ ومنهم شيخنا العلاّمة(قدس سره) ـ أنّ الإرادة علّة تامّة للتحريك ، ولا يمكن تخلّفها عن المراد ، وأ نّها العلّة التامّة أو الجزء الأخير منها[ 1 ] ممّا لم يقم عليه برهان ; وإن أخذه القوم أصلا موضوعياً ، ونسجوا على منواله ما نسجوا . وكيف ، وقد عرفت قيام البرهان على خلافه وقضاء الوجدان على مقابله ؟ !
وإن كنت في ريب فاستوضح من مكان آخر ، وهو أنّ إرادة الله تعالى قد تعلّقت أزلا بإيجاد مالايزال من الحوادث على الترتيب السببي والمسبّبي ، من غير وصمة الحدوث وتطرّق التجدّد في ذاته وإرادته تعالى ، كما برهن عليه في محلّـه[ 2 ] . ولا يمكن أن يقال في حقّـه سبحانه : «كان له الشوق ، ثمّ صار إرادة ، وبلغ حدّ النصاب» .
وما قرع سمعك أنّ الإرادة فيه تعالى هو العلم بالنظام الأصلح يحتاج إلى التوضيح المقرّر في محلّه[ 3 ] ، ومجمله : أ نّه إن اُريد به اتّحاد صفاته تعالى فهو حقّ ، وبهذا النظر كلّها يرجع إلى الوجود الصرف التامّ وفوق التمام ، وإن اُريد نفي صفة الإرادة فهو إلحاد في أسمائه تعالى ، بل مستلزم لتصوّر ما هو أتمّ منه ، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً .
[1] غرر العوائد من درر الفوائد : 34 . [2] راجع الحكمة المتعالية 6 : 334 و 7 : 282 . [3] نفس المصدر 6 : 316 و 332 .